بنيتي.. هذا يعنيك..افتحي قلبك

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

آية السِّيماء


قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا. وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ. ذَلِكَ خَيْرٌ. ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ. يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا. إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ. إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)(الأعراف:26).

مقدمة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد؛ فهذه رسالة صغيرة، في سلسلتنا الدعوية: (من القرآن إلى العمران)، أسرعت بإخراجها بهذا الاختصار، وقد كان العزم معقودا على بحث أطول، يستوعب قضايا ومباحث أوسع، لكن شدة الصدمة، وسرعة الانهيار التي آل إليها وضع المرأة المسلمة في هذه الأيام، والسقوط الخلقي الذي تعدى الشباب إلى الأطفال، والتسابق نحو إعلان الفواحش في الشوارع والطرقات على الملأ، رغبة من الصناع الكبار للفجور السياسي - كما سميناه من قبل([1]) - في تطبيع المجتمع الإسلامي على التعهر، وفقدان الشعور بالقيم الأخلاقية الأصيلة، وسلخه من هويته، وتجريده من كل مقومات المقاومة والصمود؛ تجاه الحضارات الأخرى الغازية؛ كل ذلك جعلني أسرع بإخراج هذه الورقات في كلمات قلائل، لكنها إن شاء الله كافية شافية، ولكن (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(ق:37)!
لقد جعلت عنوان هذه الرسالة: (سيماء المرأة  في الإسلام بين النفس والصورة). - و(السِّيمَاء) و(السِّيمِيَاء) هما بمعنى واحد كما سترى - وذلك لمحاولة الكشف عما ترمز إليه المرأة في الإسلام؛ نفساً وصورةً. فأما (نفسا) فباعتبارها (أنثى الإنسان) من الناحية الوجودية، وأما (صورةً) فباعتبارها هيأة خِلْقِيَّة، ذات تجليات مظهرية خاصة، وما حلاها – لذلك - الإسلام به من لباس، تتحقق إسلاميته بشروطه ومقاصده الشرعية. وما معنى ذلك كله (النفس والصورة) من الناحية السيميائية، وما دلالته التعبيرية من الناحية التعبدية؟ إننا ننطلق من مبدأ قرآني عظيم: وهو أن لا شيء من موجودات هذا الكون الفسيح إلا له دلالة سيميائية، ومعنى رمزي لوجوده. وهو مسمى (حكمته) الخِلقية. قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ. بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء:16-18). فما خلق الله شيئا، وما جعله، ولا شرعه؛ إلا لحكمة، هي مغزى وجوده، أو جَعْلِه، أو تشريعه. ومن هنا كان من أسماء الله الحسنى اسمه تعالى: (الحكيم). فهو سبحانه (حكيم) خَلْقاً وتشريعا. فإرادته الخلقية التكوينية، وإرادته التشريعية التكليفية؛ كلتاهما لا تتصرف إلا بحكمة بالغة. فخلق الأنثى على هيئتها كان بإرادته التكوينية، وسترها - تكليفا بحدود معلومة من اللباس - كان بإرادته التشريعية. وكل ذلك من حكمة الخالق جل وعلا. وجماع ذلك كله أنه سيماء ربانية لحكمة بالغة. فكم هو شنيع خطأ أولئك الذين يظنون أن مسألة اللباس في الإسلام مسألة شكلية! وأي شكل في الوجود لا يعبر عن مضمون؟ بدءا بأبسط الأشياء حتى أعقدها! ودونك العلوم والفلسفات والحضارات عبر التاريخ، فانظر!
إن منطلق البحث السيميائي في اللباس الإسلامي، ونتيجته أيضا، كلاهما مرتبط بأصول العقيدة أساسا! سواء تعلق ذلك بالرجال أو بالنساء على السواء، لكن لكل منهما سيماؤه الخاصة. وغلط من يحصر ذلك في مجال التشريع فقط!
ومن هنا يتبين مدى الخطر الذي تؤدي إليه (حركة التعري) من تدمير عقدي للإسلام! كما سترى بحول الله. إن واقع الأمة اليوم، في هذا المقتل الجوهري على جانب من الخطر عظيم. فلقد رأينا أن قضية اللباس بما ترمز إليه من دلالات سيميائية؛ هي حرب حضارية تشن على الإسلام؛ لتدمير مواقعه الوجدانية في بنية التدين الاجتماعي. إن ذلك يعني سحب البساط من تحت كل أشكال العمل الديني التجديدي في البلاد الإسلامية، وجعله يضرب في الفراغ سدى! فإنْ كان في هذه الورقة من جديد تكشف عنه؛ فهو هذا!([2])
نعم، لقد سبق أن حذرنا من هذا الوضع من قبل، منذ أن كانت ملامحه الأولى في بداية تشكلها؛ عسى أن ينتبه أهل الشأن الدعوي إلى خطورة ما هم مقبلون عليه من تحديات، لكن عندما يختل ميزان الأولويات، ويضطرب تناسق التكامل في العمل الإسلامي؛ يكون توجيه الجهود إلى الجبهات الوهمية، وتكون النتيجة: خسارة في بنية التدين الاجتماعي كما نرى ونشاهد! ولذلك فإننا الآن نفضحه! ونربطه بفلسفته وأيديولوجيته القائمة على نوع من (الزندقة العقدية)، هي أشبه ما تكون (بحركة الزندقة) التي ظهرت في تاريخ الإسلام قديما. ولكننا الآن ههنا لن نعنى بهذا أصالة؛ بقدر ما نعنى ببيان النموذج الراشد لسيماء المرأة في الإسلام. ولنا بحول الله عودة في دراسة مقبلة، لظاهرة (الزندقة المعاصرة) تعريفا وتوصيفا. والله المستعان.
من هنا إذن؛ انطلقنا لتقديم هذه الورقة/النذير، لكشف خطورة ظاهرة التعري الجسمي والنفسي، التي تلتهم نارها اليوم الأخضر واليابس في المجتمع، حتى امتدت ألسنة لهيبها إلى لباس الفتاة المحجبة ذاتها مسخا وتحريفا؛ لتشكله على وفق الموضات والصيحات الإعلامية المتفجرة من معابد الشيطان في كل مكان!
إنني أخشى – إذا استمر صناع الخراب في صناعتهم - من نتائج عكسية لسياسة التفسيق، لكنها نتائج لا توازن لها ولا انضباط، هي الآن تتخمر في النفسية الاجتماعية. إنني أنذر برد فعل خطير، رد فعل شعبي غير محكوم ولا موزون، يطبعه الجهل، وتغمره الفوضى! ينطلق على مدى متوسط؛ ضد موجة  التفسيق المفروضة على البلاد والعباد، التي تقودها الشرذمة المتطرفة، من اللادينيين الفرنكوفونيين، والشيوعيين، المدسوسين في بنية المؤسسات الرسمية والحزبية؛ استجابة لرغبة الفجور السياسي العالمي؛ واستجابة لنزوة الاستمتاع الشيطاني في الثقافة والمجتمع!

إن دراسة (سيمياء العري) ليست عملا سطحيا، كلا! بل إن لها في الإسلام ارتباطا وثيقا بجوهر النفس الإنسانية. كما أن لها جذورا قديمة في قصة الدين، أي منذ بدء الخلق البشري كما وردت في القرآن العظيم، مما في مثل قول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)(الأعراف:26). فالعري له دلالة خاصة في الإسلام، كما أن اللباس له دلالة خاصة. فكلاهما تعبير عن حضارة معينة؛ عقيدةً ومنهجَ حياة! كما سيأتي تفصيله بحول الله بهذه الورقات.

يخطئ كثيرا أولئك السذج من المسلمين، الذين يظنون أن ظاهرة التعري هي نوع من التحولات الاجتماعية البسيطة، التي لا تمس جوهر الأمة بشيء من التغيير. بل إنها – كما سترى إن شاء الله بدليله – سيمياء فلسفية، ترجع إلى تصور أيديولوجي معين، مناقض لأصول المنهج الإسلامي في عرض مفهوم الحياة([3]).
إن سيمياء التعري سيل من الحرب الحضارية، التي تشنها اليهودية العالمية، والمسيحية الصهيونية على الإسلام لتعريته ثم تدميره!
إن هذا الخطر الخلقي الداهم ليس له علاقة بتفسيق الشباب فقط، ولكنه مدمر لبنية التدين كلها! إنه استراتيجية عالمية خبيثة لغزو العالم الإسلامي على مستويات متعددة، واحتلال الوجدان الإنساني فيه، وتدمير شخصيته على المستويين النفسي والاجتماعي معا! وذلك أخطر أنواع الاحتلال، وأشد وجوه الاستخراب!
إن المسلمين المشاركين في صناعة (الفجور السياسي)، والمتعاونين مع سدنته الكبار، من الأمريكان والفرنكوفونيين واليهود؛ إنما هم خونة! ففي مثلهم قال الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(19النور). لقد خانوا الله ورسوله، وخانوا الأمة كلها! وتعاونوا مع العدو لتدميرها من داخلها! لقد  باعوا عرضها في سوق المزاد العولمي بدراهم معدودات وكانوا فيه من الزاهدين! والأمة لاهية ساهية، والشباب – ذكرانا وإناثا – غافل، ضائع بين الملاهي والخمارات، سارب في الطرقات، هائم على وجهه، يملأ أذنيه بموسيقى الراقصين على جراحنا، ولتذهب البلاد والعباد بعدها إلى الجحيم!
وقبل الدخول في التأصيل الفقهي لسيمياء المرأة في الإسلام؛ لا بد من وضع سؤال  مبدئي، عليكِ أختي القارئة، باعتباركِ أنت موضوع الخطاب الإسلامي في الشأن النسوي خاصة؛ وأيضا عليكَ أنتَ أخي القارئ، باعتباركَ أخا لها، أو أبا، أو زوجا، أو ابنا، أي باعتبارك جزءا لا يتجزأ منها، فإنما الأسرة المسلمة – في القرآن العظيم - جسم واحد لا يتجزأ، ولا يتبعض! قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء:1).

والسؤال هو: هل تؤمنين بالله حقا؟
سلي نفسك: هل تعرفين الله؟ هل تعرفين معنى كونه خالقا لكل شيء، وأنه خَلَقَكِ أنتِ؟ أنت بالذات! فما مقتضى ذلك، وما نتيجته عليك إذن؟ هل تملكين أمر نفسك في هذا الكون؛ ولادةً وموتا؟ ما حقيقة هذا العمر الذي تملكينه ولا تملكينه؟ من أنتِ إذن؟ وما موقعك في كونٍ واسع رهيب، يملكه رب عظيم؟ كون يمتد من عالم الشهادة إلى عالم الغيب! ما طبيعة وجودك أنت فيه وما معناه؟
تلك أسئلة لابد من تقريرها، ثم تحقيقها؛ لفهم طبيعة الخطاب القرآني عموما، والمتعلق منه بذاتكِ أنتِ خصوصا!([4])
إن أوَّلَ حقيقةٍ قرآنيةٍ تُعْرَضُ في سياق الآيات المتعلقة بالنساء - كما سترين بحول الله - هي أن القصد التشريعي من رسم معالم صورة المرأة في القرآن والسنة؛ إنما هو لتكون قناةً أساسيةً لاستمرار التدين في المجتمع! تلك وظيفتها الاجتماعية الكبرى، فَأَعْظِمْ بها من وظيفة! ولذلك كانت شخصيتها - نفساً وصورةً - موطنَ زحام الفلسفات، وتدافع الأيديولوجيات، وتصارع الحضارات! فتأملي هذه الحقيقة إن كنت مبصرة! ولكونها كذلك؛ أي قناة التدين الكبرى؛ جعلها الإسلام رمزا سيميائيا للعفة والكرامة، وموردا تربويا للأجيال.
ومن هنا فهي لا تخرج إلى الشوارع عارية الأطراف والصدور والنحور! إن عفتها تمنعها من أن تعرض لحمها في سوق الشهوات الحيوانية! فالمرأة المسلمة - التي ما تزال تحتفظ بجمالها النفسي، وطهرها البدني - تسعى لاكتساب كمالها الروحي، ولا تتردى في مهاوي السقوط الأخلاقي، ولا تتعهر في الشوارع والطرقات؛ ولا تكشف للناس عن تفاصيل بدنها، ورسومات عورتها! ولا تخالل الشباب الضال، الضارب في متاهات العمى! شباب لا يدرك من مسؤوليته تجاه أمته شيئا، شباب يعتبر وجوده ثقلا زائدا على كاهل الأمة، وكأنه ما وجد إلا ليبتليه الله ويبتلي به! شباب غبي يلهث وراء الشهوات العفنة.
ففي حين تخوض الأمة أشرس معاركها التاريخية ضد الفجور العولمي، والتدمير الشمولي لقيمها؛ قصد إذلالها وتركيعها، وفي حين يموت أبناؤها البررة شهداء في كل مكان، في مدافعة حركة تهويد العالم؛ ينغمس هو بكل شره وغباوة في تناول الطُّعم الصهيوني مما يعرض عليه في موائد الحرام! والدكَّاكة الأمريكية تحطم نخوته وعرضه فوق رأس أمه، ليل نهار، وهو يرى لكنه لا يبصر شيئا! قد صدق عليه قول الله تعالى في القرآن العظيم: (وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ!)(الأعراف:198) أين يعيش هذا الشباب؟ إنه يعيش خارج التاريخ!

ألا شتان شتان بين شباب يعيش في القمة؛ وشباب يعيش في القمامة!
إن الفتاة المؤمنة تدرك قيمة شرفها، ولا تبيعه رخيصا في سوق النخاسة! إنها تصون نفسها، وتعتز بانتمائها الديني، وتميزها الحضاري.
إن المرأة التي تحرص على إبراز مفاتنها؛ عبر منعطفات جسمها، وحركة لحمها، وتعصر غلائل ثوبها على بدنها؛ إمعانا في استعراض مسالك عورتها وحجم وَرِكِهَا! وتفاصيل أنوثتها مُقْبِلَةً ومُدْبِرَةً، تشتهي سماع كلمة ساقطة من شاب ساقط! أو كما قالت العرب: (لا تَرُدُّ يَدَ لاَمِس!) لهي امرأة غبية حقا! إنها تختزل إنسانيتها في صورة حيوان! بل أضل من ذلك! إنها أشبه ما تكون بتماثيل البلاستيك المهيأة لعرض الأزياء على زجاج المعارض التجارية في الشوارع الكبرى، إلا أنها – مع الأسف - تعرض لحمها وكرامتها للناس، لكل الناس! إنها تقع في مصيدة اليهود العالمية، مصيدة التعري، لتجريد حضارة الإسلام من مصدر قوتها: العفة والكرامة!
إن التي تختزل (حرية المرأة) في حرية الفروج، وفي حرية التعهر على الملأ؛ قد أذنت لإنسانيتها أن تتردى في درك البَهَمِيَّة، ونزلت عن شرف الخطاب الإلهي في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ)(الإسراء:70).
وإنما حرية المرأة  - لو تبصرين، بنيتي – هي كسر أغلال العبودية التي تربطك إلى شهوات النفس البَهَمِيَّة، والتمرد على النموذج الغربي للحياة! ورفع راية الإسلام، راية العفة والكرامة في اللباس الإسلامي العالي! إن الحرية هي أن تطئي بقدمك رغبات التعري الشيطانية، والتعهر الحيواني، وتمرغي طغيانها الشهواني في التراب! فتنتقمي بذلك لشرفك ولشرف الأمة الإسلامية كلها؛ من الإذلال الأمريكي والصهيوني العالمي لقيمها وحضارتها! ومن قبل نطقت العرب بحكمتها الرفيعة: (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها!)
بنيتي! مصيرك الوجودي أقوله لك في كلمة واحدة: (أنت متحجبة؛ إذن أنت موجودة!)
وإلا فعلى دينك السلام!
هل فكرت يوما: كم تدوم نضارة جسمك؟ وكم تدوم حياتك كلها بهذه الدنيا الفانية؟ إن اليوم الذي تستزيدينه من عيشك ينقص من عمرك، ويقربك من أجلك! فما قيمة اللذة الدنيوية إذا كانت تنتهي بمجرد بدايتها؟ ما قيمة المتعة - أي متعة – إذا كانت غاية فرحتها الكاذبة إلى سويعات تنتهي؟ ثم تتحول إلى ندم سرمدي، وغم أبدي، لا تطيق حمله الجبال الرواس! (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا. السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً. إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)(‏المزمل:17-19). العمر البشري محدود، وفرصته واحدة، ولا يمكنكِ أن تعيشي اللحظة الواحدة مرتين! فهي إما لك وإما عليك! ففكري بنيتي..! فكري قبل الغروب!
هذه هي الحقيقة الوجودية للإنسان لو كنت تبصرين! فلماذا التسابق نحو الهاوية إذن؟ أي عمى هذا الذي ضرب على عينيك، فلم تبصري من حقائق الوجود غير بدنك؟
إن الذين يبصرون حقا يدركون أن العري والتعري لعبة يهودية! فهل تبصرين؟
بنيتي! إن الأمة تنهار فهلا شاركت في البناء؟
الحجاب العاري:
ثم بعد هذا وذاك نقول: إن الفتاة التي احتجبت حقا وصدقا، لا تفتنها إغواءات الشيطان، وإغراءات الموضات المتدفقة بالفتن! فلا ترتد على أدبارها لتتحايل على حجابها، بالتشكيل والتجميل؛ مما يفقد اللباس الإسلامي مقصده الشرعي من التستر والتخفي، وحفظ الكرامة والحياء! إن المرأة المؤمنة بالله واليوم الآخر تعبد ربها بلباسها، ولا يقبل الله من العبادة إلا ما كان على شرطين. الأول: أن يكون خالصا له تعالى، والثاني: أن يكون صوابا، أي منضبطا لحدود الله، كما وردت في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم، بلا تبديل ولا تحريف!
إن الفتاة المؤمنة لا تخرج بالبنطلونات والمعاطف القصيرة! والسراويل التي لا يسترها جلباب! وإن الفتاة المؤمنة لا تخرج على الناس بالبذلات الأوروبية، متشبهة بالرجال على طريقة اليهوديات والنصرانيات، ثم تضع على رأسها خرقة لتوهم نفسها أنها متحجبة! وإنما الحجاب عبادة، ولا يعبد الله إلا بما شرع، لا بأهواء الناس وموضاتهم. وإن الفتاة المؤمنة لا تضع خرقة قصيرة فوق رأسها ثم تعري كعابها للناس! ولا خلاف في أن القدم مما يجب على المرأة ستره؛ إلا خلافا ليس له حظ من النظر! ولا صلاة لمن صلت وكعبها عارٍ، كاشفة ظهور قدميها!([5])
وإن الفتاة المؤمنة لا تخرج بالثياب الناعمة المتموجة، التي تلتصق بالجسم، لتكشف عن فتنته عبر كل خطوة وحركة! وإن الفتاة المؤمنة لا تملأ الساحات بالصخب والقهقهات! ولا تمازح الذكور بلا حياء! ولا تزاحم الفتيان بأكتافها وصدورها! وإن الفتاة المؤمنة لا تُخْضِع لباسها الشرعي لموضات الألوان، مما تتفتق عنه عبقرية الشيطان! ولا تقتدي بمحجبات التلفزيون، المتزينات بكل ألوان الطيف! كما يقتضيه ذوق الإخراج والماكياج، ونصائح مهندس الديكور، ومدير التصوير! ذلك (حجاب) ولكن على مقاييس التلفزيون، وشهوة الميكروفون! إنه إذن؛ الحجاب العاري!
وإن الفتاة المؤمنة لا تنتف حاجبيها، ولا تنمقهما بما لم يخلق الله فيها! فذلك هو (النَّمْصُ) الملعون في حديث رسول اللهe! والنَّمْصُ - بتسكين الميم – هو في اللغة: نتف شعر الوجه بالملقط أو المنقاش. والنَّمَصُ بفتحتين، هو في الأصل: الريش الصغير والشعر الرقيق. فكأن المرأة إذ تَنْمِصُ حاجبَها توهم أنها على تلك الصورة طبيعةً وخِلْقَةً. وهو علة التحريم أي تغيير خلق الله، وإظهاره بما ليس فيه. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لعن الله الواشمات! والمسْتَوْشِمَاتِ! والنَّامِصَاتِ! والْمُتَنَمِّصَاتِ! والْمُتَفَلِّجَاتِ للحُسْنِ، المغيراتِ خلق الله!)([6])  وهذا حديث شديد، ووعيد رهيب! لعن فيه رسول اللهe الواشمة: وهي التي تنقش الوشم للنساء، والمستوشمة: وهي التي تطلب ذلك لنفسها، ولعن النامصة: وهي التي تقوم بالنمص للنساء وتنميق حواجبهن! والمتنمصة: هي التي تطلب ذلك لنفسها! وأما المتفلجة: فهي التي تحاول إحداث فلجات بين أسنانها بالمبرد الطبي أو غيره؛ لتحسين منظرها.([7])
والغريب أنه رغم هذا الوعيد الشديد ينتشر النمص بين بعض المتحجبات! اقتداءً بمن لا خلاق لهن من دُمَى التلفزيون! ألا شتان شتان بين الناهضات والعارضات!
وإن ذلك كله لعمري أشبه ما يكون بحيل اليهود مع رب العالمين! إذ حرم عليهم الصيد يوم السبت  فوضعوا الشباك مساء الجمعة، ثم جمعوها صباح الأحد! أمع الله رب العالمين يمارس العبد الضعيف لعبة التحيل؟ وهو تعالى (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)(غافر:19).
وإنما الفتاة المؤمنة هي التي تمر كما تمر الملائكة، ستيرة حيية، تزينها السكينة ويجللها الوقار! فإذا مزحت مزحت بأدب، وإذا جدت كان لجِدِّها قوة الشمس في تبديد الظلام!
وإنما الفتاة المؤمنة هي التي ترفع راية الإسلام بلباسها الشرعي، وخلقها الاجتماعي، فلا تفتنها الأضواء الفاضحة، ولا الدعايات الكاشفة، بل تجاهد في الله من أجل بناء قيم الإسلام في المجتمع من جديد، وتسعى لطلب العلم بدينها، وتعلم شرائع ربها، للعمل بها في نفسها أولا، ثم تعليمها لغيرها؛ دعوة وتربية لأبنائها وعشيرتها وكل محيطها. وإن الفتاة المؤمنة هي التي تعلقت بالله رغبة ورهبة؛ فكانت مثال الصلاح والتقوى والعفاف. ومنار الهداية لجيلها، وللجيل الذي يتربى على يدها.
وإن الفتاة المؤمنة هي التي لا تتحايل على ربها بلباسها؛ فتظهر زينتها من حيث هي تزعم التدين والانتماء لأهل الصلاح، بل الفتاة المؤمنة هي التي تلبس جلبابها الشرعي ثوبا هادئا ساكنا، خاشعا على بدنها. يسترها ولا يفضحها، ويرفعها ولا يضعها، ويكرمها ولا يمسخها! ثم يقربها من ربها ولا يبعدها، ويرفعها في الجنة إلى منازل الصالحين والصالحات، والصديقين والصديقات.
وليس معنى ذلك أن تلبس أرذل الثياب، وألا تهتم بنظافتها، وإصلاحها بالمكواة، كلا! فليس الإسلام أن تتبذل المؤمنة في مظهرها؛ حتى تبدو كالعجوز التي لا يناسبها ثوب البتة! أو كما كان أهل المرقعات من جهال العُبَّاد أو الصعاليك! فتخرج على الناس في مزق من الأثواب، بادية التجاعيد والانكماشات! إن الفتاة المؤمنة لا يريد لها الإسلام أن يكون منظرها بشعا، ولا منفرا، بل يجب أن يكون محترما، يوحي بالجد، ويفرض على الناظرين الإجلال لها، والتقدير والتوقير. وإنما يحرم عليها أن يكون لباسها إغواء، أو إغراء. وذلك حقا هو دور الشيطان!
وأما إن كانت تريد الله والدار الآخرة، وتريد التعبير السيميائي الصادق عن مقاصد التعبد، ورفع راية الانتماء العقدي للإسلام بريش اللباس؛ فإنما يجزئها على العموم جلباب واسع ساتر، هادئ اللون، لا يصف ولا يشف، ولا يخطف الأنظار من بعيد بألوانه وبريقه، كما سيأتي بدليله بحول الله في متن هذه الرسالة. وذلك معنى قول الفقهاء: (ولا يكون زينة في نفسه). وخمار على وزانه وشرطه، هدوءا وسكينة مما ذكرناه، لا تشتعل ألوانه، ولا تخلله صاحبته بذهب، ولا بما يلمع من الحلي والخلالات، ولا تضفر طرفَيْه على جبينها، بصورة الضفيرة من الشعر، كما يفعله بعضهن من تشكيله وتزيينه؛ حتى ليكاد يصرخ في الملأ بمنظره وبريقه: ها أنا ذي انظروني! ولكنه خمارٌ ضافٍ وافٍ، شاسعٌ كافٍ، يضرب على جيوب العنق والنحر، ويغطي هيأة الصدر. ولا تعقده صاحبته على رأسها من جهة القفا؛ بما يظهر هيأة الشعر وحجمه، كما يفعله بعض الجاهلات من المتحجبات! ولا يشترط فيه أن يغطي الوجه. وإن كان ذلك من كمال الورع، كما سيأتي بيانه.
ثم جوارب للقدمين في غير لون الجسم البشري؛ حتى لا توهم العري الجزئي، ولا الرغبة الخفية في إظهار الزينة. وتكون الفتاة المؤمنة بذلك على أكمل ما تكون العفة الظاهرة([8]). وعليها آنئذ أن تجاهد نفسها في الله للرقي بكمالات العفة الباطنة، وإنما الموفقة من وفقها الله.
إن أغلب ما يلبسه كثير من المَوْسُومَات بـ(المتحجبات) في هذا الزمان الرديء؛ لم يكن – في خصائصه العامة - إلا ألبسة داخلية لدى نساء السلف الصالح - كما سترين بدليله بحول الله - فما بالك بالعاريات من المتبرجات والمتمجنات؟
فانظري بنيتي أي هوة تفصل بيننا وبين قيمنا الحقيقية؟
وأحب أن أسجل ههنا أنني كنت - في سياق إعداد مادة هذا الكتاب – أطالع صفحات من كتاب (الحجاب)، الذي ألفه العلامة أبو الأعلى المودودي رحمه الله، وأجزل له الثواب! ذلك الكتاب الرفيع مادةً وتحليلا! فكنت أقرأ ما كتبه رحمه الله، وهو ينعى ما وصلت إليه المرأة المسلمة في البلاد العربية، من دركات الانحطاط الخلقي، مقارنا لها بالمرأة المسلمة في الهند والباكستان. قال رحمه الله في مقدمة الترجمة العربية: (إن حضارة أهل الغرب ومدنيتهم لم تتغلغل في بلادنا، ولم تؤثر في حياتنا؛ مثلما قد تغلغلت في بلاد العرب، وأثرت في حياتهم، في مدة لا تكاد تذكر بالنسبة لامتداد وطأة الاستعمار علينا، وخاصة أن النساء في بلدنا (...) قلما توجد واحدة من ألف امرأة تتبرج في الطرق والأسواق، وتتعرض للرجال، وجسدها مكشوف فوق كعبيها، أو يداها مكشوفتان إلى منكبيها!)([9]).
قرأت هذا وتبسمت مرارة! فهذا مستوى العري الذي نعاه المودودي على المرأة العربية آنذاك، فكيف لو عاش لزماننا هذا؟ بأي لغة يمكنه وصف عري النساء والفتيات اليوم؟
وإنما الحاصل أن البلاد العربية عموما باعتبارها مجال التداول الاجتماعي لكتاب الله وسنة رسولهe، وأقرب إلى فهمهما من غيرها؛ كانت معاول الهدم عليها أشد!
إنني أدعو إلى حركة تصحيحية في مجال المرأة – كما في غيره من المجالات – حركة تنفي عنها تحريف الغَالِين، وانتحال المُبْطِلين، وتأويل الجاهلين! وترتقي بنموذج التدين في النساء المسلمات؛ إلى قمة الإنتاج الرفيع جودةً ووفرةً! على مستوى النفس وعلى مستوى الصورة؛ عسى أن يكون ذلك بدء ميلاد جديد، لجيل النصر القرآني، فقها وتدينا. ذلك الجيل الذي ذكره الله في القرآن الكريم، وأخبر بسيمائه ودلالاتها التعبيرية العظيمة، في التوراة وفي الإنجيل، ثم في القرآن، فقال سبحانه: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ. تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا. سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ. ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ. وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)(الفتح:29). تلك سيماء جيل النصر، فاقرأ وتدبر!
من هنا إذن؛ وباعتبار هذه الحيثيات وغيرها؛ أسرعت في إخراج هذه الورقات؛ إسهاما مني في إنقاذ الأمة، وضربا في اتجاه إعادة التوازن للعمل الديني، ورغبة في فضح خلفيات الفجور السياسي، في مجال المرأة خاصة، وكشف جذوره الشيطانية، وطبيعته العدوانية، ثم التعاون على بناء النموذج الإسلامي للفتاة المؤمنة، وللجيل الراشد الصالح تبعا بحول الله. فكانت لذلك هذه الورقة تتضمن – بعد هذه المقدمة – مدخلا اصطلاحيا في مفهوم السيماء، وفصلين اثنين: الأول في المرأة وسيماء النفس، ناقشت فيه قضيتين في مبحثين: المبحث الأول في المرأة والنفس الواحدة، والمبحث الثاني في السيماء التربوية لنفسية المرأة. وأما الفصل الثاني فكان في المرأة وسيماء الصورة. ناقشت فيه هو أيضا قضيتين في مبحثين: المبحث الأول حاولت أن أدرس فيه سيماء الصورة في التدافع الحضاري، والمقصود بـ(الصورة) هنا: الشكل الظاهري للمرأة، مما يشكل هيأتها الخارجية، من أمور لباسها وتصرفها الصوري، كلاما وحركة في المجتمع. والمبحث الثاني لخصت فيه التأصيل الفقهي لسيماء الصورة في الإسلام. ثم جمعت خلاصة الورقة كلها في خاتمة قصيرة.
هذا وقد آلينا على أنفسنا في ذلك كله - كما هو معهود منهجنا – أن نستثمر الخطاب القرآني أولا؛ لتعبير (سيمياء) المرأة وكشف دلالته. فالقرآن هو مصدر تعبير الرموز السيميائية في الإسلام؛ إذ هو مرتكز الرسالة الإلهية وأساس مقاصدها، وأن نشفعه بالبيانات السنية المكيفة للنموذج البشري على وفقه. فإنما (كان خلقه صلى الله عليه و سلم القرآن)([10])، وألا نورد لذلك من الحديث إلا ما صح سنده، فلا نبني حكما شرعيا على حديث ضعيف؛ بله أن يكون موضوعا. والله المستعان.
وكتبه عبد ربه راجي عفوه وغفرانه، الفقير إلى رحمته ورضوانه: فريد بن الحسن الأنصاري الخزرجي السجلماسي، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين. وقد وافق تمام تبييضه وتصحيحه - بمكناسة الزيتون، من حواضر المغرب الأقصى – ليلة الجمعة 24 من شهر رمضان المعظم، لعام: 1423هـ/ 29/11/2002م.

مدخل اصطلاحي في مفهوم السِّيمَاء


السِّيمَاء والسِّيمِيَاء، بياء زائدة: لفظان مترادفان لمعنى واحد، كما سيأتي بيانه. لكنا اخترنا عنونة هذا الكتاب بالسِّيمَاء، لأنه اللفظ القرآني أساسا. فقد ورد في كتاب الله، لكن مقصورا غير ممدود، أي بلا همز هكذا: (سِيمَى). قال تعالى: (سيماهم في وجوههم مِّن أَثَرِ السُّجُودِ)(الفتح:29). وقال سبحانه: (تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُم)(البقرة:273). إذ هو يقصر ويمد. لكنا قد نستعمل أحدهما بدل الآخر على سبيل الترادف اللغوي والمفهومي، في السياق العام من هذه الدراسة. وفي مثل هذا قيل: "لا مشاحة في الاصطلاح".
والإنسان من حيث هو كائن وجودي له سيماؤه الخاصة. وداخل هذا المفهوم (للإنسان) نجد المرأة كالرجل، لها نفس وصورة، ولكل منهما سيماء خاصة! و للإسلام تصوير متميز لسيماء النفس، ولسيماء الصورة. وذلك ما أحببنا أن نعرض من خلاله قضية المرأة في الإسلام. لكن لابد قبل ذلك من بيان المفهوم الخاص بمصطلح السيماء، في التراث اللغوي العربي والإسلامي، الذي نصوغ من خلاله قضايا هذه الورقة. ولن نُعْنىَ بالسيمياء في الاصطلاح اللساني الغربي الحديث، فذلك مجال آخر. وهو – علاوة على أننا لسنا مؤهلين للبحث فيه نظريا – ليس قصد هذا البحث أصالة، وإن كانت تربط بيننا وبينه صلة ما تبعا، هي صلة (العلامة) من حيث المفهوم الوجودي العام. ولذلك فسنبقى بعيدين عنه، قريبين منه؛ بما نمارسه من تطبيقات للنصوص الشرعية، في بيان دلالة المرأة الرمزية في الإسلام، على المستوى النفسي والجسمي.
ويرجع لفظ السيماء أو السيمياء في اللغة العربية إلى معنى العلامة، أو الرمز، الموضوع للتخاطب قصدا. وهو يستعمل – كما ذكرت - بياء مفتوحة وممدودة بعد الميم المكسورة، فينطق (سِيمِيَاء)، ويستعمل بدونها فينطق (سِيمَاء)، وكلاهما في المعنى رديف صاحبه. يقول ابن فارس في مادة (وسم): (الواو والسين والميم: أَصْلٌ واحدٌ، يدل على أثَرٍ ومَعْلَمٍ. ووَسَمْتُ الشيءَ وَسْماً: أثَّرْتُ فيه بِسِمَة. والوَسْمَى: أول المطر؛ لأنه يَسِمُ الأرضَ بالنبات (...) وسمي مَوْسِمُ الحج موسما؛ لأنه مَعْلَمٌ يجتمع إليه الناس. وفلان مَوْسُومٌ بالخير. وفلانة ذات مِيسَمٍ: إذا كان عليها أثر الجمال. والوَسَامَةُ: الجمال (...) وقوله تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ" (الحجر:75): الناظرين في السِّمَةِ الدَّالَّة.)([11]) وقال الراغب الأصفهاني: (السيماء والسيمياء: العلامة. قال الشاعر:
" له سيمياء لا تشق على البصر "
وقال تعالى: "سيماهم في وجوههم من أثر السجود"(الفتح:29)، وقد سومْتُه أي: أعلمته. وقوله عز وجل في الملائكة: "مسومين" (آل عمران:125)، أي: معلمين. و"مسوِّمين" معلمين لأنفسهم، أو لخيولهم، أو مرسلين لها، وروي عنه عليه السلام أنه قال: "تسَوَّمُوا فإن الملائكة قد تسوَّمَتْ")([12]).
وجاء في مختار الصحاح: (السَّوْمَةُ بالضم: العلامة تجعل على الشاة، وفي الحرب أيضا. تقول منه تَسَوَّمَ. وفي الحديث "تسوموا فإن الملائكة قد تسومت". والخيلُ المُسَوَّمةُ: المرعية، والمسَوَّمَةُ أيضا: المعلَّمَةُ. وقوله تعالى: "مسوِّمين" قال الأخفش: يكون معلِّمين، ويكون مرسِلين، من قولك: سَوَّمَ فيها الخيل أي أرسلها. ومنه السَّائِمةُ (...) وقوله تعالى: "حجارةً من طين مسوَّمةً": أي عليها أمثال الخواتيم. والسِّيمى مقصور من الواو، قال الله تعالى: "سيماهم في وجوههم" وقد يجيء السِّيمَاءُ و السِّيمِيَاءُ ممدودين)([13])
وقال ابن منظور: (السُّومَةُ والسِّيمةُ والسِّيماء والسِّيمِيَاءُ: العلامة. وسَوَّمَ الفرسَ: جعل عليه السِّيمة. وقوله عز وجل: "حجارةً من طينٍ مُسَوَّمَةً عند ربك للمُسْرفين"(الذاريات:34): قال الزجاج: روي عن الحسن أَنها مُعَلَّمة ببياض وحمرة، وقال غيره: مُسَوَّمة بعلامة يعلم بها أَنها ليست من حجارة الدنيا، ويعلم بسيماها أَنها مما عَذَّبَ اللهُ بها. [قال] الجوهري: مُسَوَّمة أَي عليها أَمثال الخواتيم (...) قال أَبو بكر: قولهم عليه سِيما حَسَنَةٌ معناه علامة، وهي مأخوذة من وَسَمْتُ أَسِمُ، قال: والأَصل في سيما وِسْم فحوِّلت الواو من موضع الفاء، فوضعت في موضع العين، كما قالوا ما أَطْيَبَهُ وأَيْطَبَه، فصار سِوْمى، وجعلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها (...) وقيل: الخيل المُسَوَّمة: هي التي عليها السِّيما والسُّومةُ، وهي العلامة. وقال ابن الأَعرابي: السِّيَمُ: العلاماتُ على صُوف الغنم)([14])
وفي القاموس: (السيمَةُ والسيماء والسيمياء، بكسرِهِنَّ: العَلامَةُ. وسَوَّمَ الفَرَسَ تَسْوِيماً: جَعَلَ عليه سِيمَةً).([15]).
والخلاصة: أن السِّيمِيَاء في اللغة، أو السِّيمَاء: هي العلامة، أو الرمز الدال على معنى مقصود؛ لربط تواصل ما. فهي إرسالية إشارية للتخاطب بين جهتين أو أكثر. فلا صدفة فيها ولا اعتباط.
تلك هي الدلالة اللغوية إذن. ومن هنا كان كل موجود – في المنظومة الإسلامية – له سيمياء وجودية، أي أنه علامة في ذاته. علامة على معنى يدل عليه وجوده، وتلك حكمته الخَلْقية، ومعناه  التكويني، وغايته الوظيفية، من حيث كينونته ومصيره. وهو قول الله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ. بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء:16-18)، وقوله سبحانه: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)(الأنعام:38). والإنسان ترجع سيمياؤه إلى قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة)(البقرة:30). وقوله عز وجل: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)(الأحزاب:72). فهو إذن رمز الخلافة التعبدية لله الواحد القهار، حامل أمانة التكليف الرسالي في الإسلام.
إلا أن السيمياء الإنسانية في القرآن تتفرع - داخليا - على حسب جنس الإنسان من ذكورة وأنوثة، لكن في إطار السيمياء الكلية التي بيناها آنفا. فكان للرجل سيمياء خاصة، وكان للمرأة سيمياء أخرى خاصة، وكلاهما مندرج في السيمياء الإنسانية الكبرى. وورقتنا هذه خاصة بسيمياء المرأة في الإسلام. أي خواصها الرمزية والدلالية في الوجود، وعلاماتها الوظيفية في الكون نفسا وصورة. وهو قصدنا بسيماء المرأة في هذا الكتيب. وتفصيل ذلك هو كما يلي:

الفصل الأول: المرأة وسيماء النفس

المبحث الأول: المرأة والنفس الواحدة

ما حد المرأة؟
سؤال نضعه اليوم ـ على منهجنا الجديد ـ في بحث الحقائق التي يسميها الناس (بدهيات)، والعود إلى تحقيق مفاهيم (المسَلَّمَات) التي رسخت في ذاكرة المجتمع الإنساني كذلك. ومشروعنا هذا قائم على مراجعة هذه البدهيات، التي تبين لنا أنها تحمل كثيرا من الأسرار التي يغطيها عنا الإلف الوجودي وعادة الحياة. نسأل: (ما) المرأة؟ لنجيب الجواب البدهي أيضا بأن المرأة هي أنثى الإنسان.
(أنثى الإنسان).. وتلك ضميمة اصطلاحية تضرب في عمق الغيب! وإنما الإنسان كل الإنسان (نفس). و(النفس) هي أساس الخلق البشري، كما هو نص القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء:1). (النفس الواحدة) إذن هي أساس الخلق، التي منها خلق الإنسان، كل الإنسان: ذكرانا وإناثا. والعجيب، الجدير بالتدبر والتأمل؛ أن مرجع آدم إلى (النفس الواحدة) مساوٍ لمرجع زوجه حواء. فهما في ذلك سواء. فالنفس مرجع كل منهما، وكل من كان من ذريتهما إلى يوم القيامة. وقصة خلق حواء من ضلع آدم كما هو مدلول الحديث النبوي الصحيح([16]) دالة – في نهاية المطاف - على الوحدة المصدرية نفسا وبدنا. فهما في ذلك سواء! وتدبر الآية مرة أخرى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً).
النفس الواحدة:
تلك النفس، التي ذكرها الله جل علاه في غير ما موضع من القرآن العظيم، التي لا تحمل في الأصل صفة جنسية، لا ذكورة ولا أنوثة. وهذا أمر عجيب حقا. فلا الرجل ولا المرأة يمكنه أن يزعم أنه الأصل. وكون آدم – عليه السلام - أسبق في الخلق لا يعنى أنه الأصل. فهو الأصل بالمعنى الزمني، وليس الأصل بالمعنى الوجودي، ولا كذلك حواء. وليس الأمر كما زعم بعضهم أن المرأة فرع عن الرجل، ولا أن الرجل فرع عن المرأة، كما جاء عند صاحبة كتاب (الأنثى هي الأصل)([17])! وإنما هي النفس التي لا تحمل أي سيماء جنسية. إنها (نفس واحدة) على حد تعبير القرآن كما رأيت: (مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ). وفي هذا من التساوي الوجودي ما فيه. وأما التأنيث الوارد في صيغتها فإنما هو على عادة الاستعمال اللغوي العربي، ليس إلا. على نحو ما تقصده العرب في صيغها الصرفية، التي قد تؤنث وتذكر؛ لغير أنوثة جنسية ولا ذكورة. كما في تأنيثهم الشمس وتذكيرهم القمر. والقرآن نزل بلغة العرب. قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(الأعراف:189). وتدبر قوله تعالى: (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)(الزمر:6).
النفس إذن؛ هي جوهر كينونة الإنسان، ذكرا كان أو أنثى. ومن هنا سَوَّى الله بين الجنسين في عموم التكليف إلا ما استثناه الدليل لخصوص المحل. أما الأصل التكليفي فهو قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْض)(آل عمران:195). فهذه الآية نص – باصطلاح الأصوليين - في تساوي التكليف الإلهي للإنسان، من حيث المبدأ الكلي، بغض النظر عن الفروق الجنسية العارضة من ذكورة وأنوثة. وإنما الصفة التي ينظر إليه بها ههنا هي كونه (عاملا) أم لا؟
فالإنسان له صورتان: الأولى نفسانية، والثانية جسمانية. ولكل صورة سيماء أو سيمياء. أي علامات ومواصفات منها تتشكل ما نسميه بـ(الشخصية). تماما كما تتميز كل صورة جسمانية بعلامات فارقة، هي سيماء ذلك الشخص المميزة له.
ذلك أن النفس مفارقة للجسم. وكينونتها هي على صورة نفسانية. قال عز وجل: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)(الشمس:7). فالتسوية هي تمام الخلق. ولهذا قال بعد مباشرة في السياق: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا). ويؤيد هذا التفسير من القرآن والسنة: أولا قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)(الأعراف:172-173).
ومن هنا قول شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالنفس بفطرتها إذا تركت كانت مقرة لله بالإلهية؛ محبةً له، تعبده لا تشرك به شيئا. ولكن يفسدها ما يزين لها شياطين الإنس والجن، بما يوحى بعضهم إلى بعض من الباطل. قال تعالى: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا"... الآية)([18]).
ثانيا: قول الرسولصلى الله عليه و سلم  في الحديث الصحيح: (لما خلق الله آدم مسح ظهره؛ فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال‌:‌ أي رب! من هؤلاء‌?‌ قال‌:‌ هؤلاء ذريتك! فرأى رجلا منهم أعجبه نور ما بين عينيه، فقال‌:‌ أي رب! من هذا‌?‌ قال‌:‌ رجل من ذريتك في آخر الأمم يقال له داود، قال‌:‌ أي رب كم عمره‌?‌ قال: ستون سنة، قال‌:‌ فزده من عمري أربعين سنة!‌ قال‌:‌ إذن؛ يكتب ويختم، ولا يبدل! فلما انقضى عمر آدم جاء ملك الموت، فقال‌ [يعني آدم]:‌ أوَ لم يبق من عمري أربعون سنة‌?‌ قال‌:‌ أوَ لم تعطها ابنَك داود‌?‌ [وجَحَد آدمُ] فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته!)([19]).
فالحديث دال على أن الله خاطب الأنفس، وهي آنئذ لا تزال في عالم الذَّرِّ، أي نسمات في صلب آدم عليه السلام. وذلك قوله صلى الله عليه و سلم  في النص: (فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة). فاسم الفاعل (خالقها) دال في هذا السياق على الاستقبال. كأنه قال: (سيخلقها)، والمقصود بالخلق هنا الخلق النهائي بخلق النفس في الجسم. لأن النفس آنئذ لا تزال في عالم الذر نسمةً. كما أنه دال على أن لها صورة نفسانية لا جسمية. ودليله من النص قوله: (ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال‌:‌ أي رب! من هؤلاء‌?‌ قال‌:‌ هؤلاء ذريتك! فرأى رجلا منهم أعجبه نور ما بين عينيه، فقال‌:‌ أي رب! من هذا‌?‌...إلخ) فما كان ذلك ليكون؛ لو لم تكن الأنفس صورا أظهرها الله تعالى لآدم - عليه السلام – فأراه إياها بما شاء وكما شاء. فدل ذلك كله على وجود النفس مستقلة عن البدن، ودل أيضا على أن لها صورة غير جسمانية، ذات سيماء خاصة.
ومن النصوص العجيبة الدالة على ذلك أيضا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (كنت نبيا وآدم بين الروح و الجسد!)([20]) وقوله عليه الصلاة و السلام : ‌(إن النفس المخلوقة لكائنة)([21]).
وقد نجم عن هذه النصوص إشكال بين علماء الإسلام فيمَ خُلِقَ أولا: النفس أم البدن؟ وذلك نظرا لما دلت عليه ظواهرها من مخاطبة الأنفس في استقلال عن الأبدان، ومن إبصار بعضها لبعض في عالم الأرواح. وهذا خلاف نقله الإمام الرباني ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى. قال في شفاء العليل: (وكذلك في خلق الأرواح قبل الأجساد قولان معروفان)([22]). فقد كان شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى من أبرز القائلين بسبق الجسم على النفس. بينما كان قبله الإمام ابن حزم الظاهري الأندلسي من القائلين بسبق النفس على البدن؛ انسجاما مع ظاهريته. وذلك ما نقله ابن القيم مفصلا في كتاب الروح قال: (وقالت طائفة أخرى منهم ابن حزم مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها. وقال: والذي نقول به في مستقر الأرواح، هو ما قاله الله عز وجل ونبيهe، لا نتعداه. فهو البرهان الواضح، وهو أن الله عز وجل قال: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين". وقال تعالى: "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم"(الأعراف:11). فصح أن الله تعالى خلق الأرواح جملة، وكذلك أخبر أن   "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"([23]) وأخذ الله عهدها وشهادتها له بالربوبية، وهي مخلوقة مصورة عاقلة، قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم، وقبل أن يدخلها في الأجساد. والأجساد يومئذ تراب وماء! ثم أقرها حيث شاء. وهو البرزخ، الذي ترجع إليه عند الموت. ثم لا يزال يبعث منها الجملة بعد الجملة، فينفخها في الأجساد المتولدة من المني. إلى أن قال: فصح أن الأرواح أجساد حاملة لأغراضها من التعارف والتناكر، وأنها عارفة مميزة، فيبلوهم الله في الدنيا كما يشاء، ثم يتوفاها، فيرجع إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول اللهe ليلةَ أسري به عند سماء الدنيا، أرواح أهل السعادة عن يمين آدم، وأرواح أهل الشقاوة عن يساره. وذلك عند منقطع العناصر، ويعجل أرواح الأنبياء والشهداء إلى الجنة. قال: وقد ذكر محمد بن نصر المروزي عن إسحاق بن راهويه أنه ذكر هذا الذي قلنا بعينه، قال: وعلى هذا أجمع أهل العلم.   قال ابن حزم: وهو قول جميع أهل الإسلام)([24]).
إلا أن ابن القيم رحمه الله رد ذلك كله، وذهب إلى ما ذهب إليه أستاذه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في كتابه القيم "أحكام أهل الذمة": (والذين قالوا إن الأرواح خلقت قبل الأجساد ليس معهم نص من كتاب الله ولا سنة رسوله. وغاية ما معهم قوله: "وإذ أخذ ربك من بني آدم" الآية. وقد عُلِم أنها لا تدل على ذلك. وأما الأحاديث التي فيها أنه أخرجهم مثل الذر؛ فهذا هل هو أشباحهم أو أمثالهم؟ فيه قولان. وليس فيها صريح بأنها أرواحهم. والذي دل عليه القرآن والسنة والاعتبار أن الأرواح إنما خلقت مع الأجساد، أو بعدها. فإن الله سبحانه خلق جسد آدم قبل روحه، فلما سواه وأكمل خلقه نفخ فيه من روحه، فكان تعلق الروح به بعد خلق جسده.    وكذلك سنته سبحانه في خلق أولاده، كما دل عليه حديث عبد الله بن مسعود المتفق على صحته. قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم ينفخ فيه الروح"([25]). وقد غلط بعض الناس حيث ظن أن نفخ الروح إرسال الروح وبعثها إليه، وأنها كانت موجودة قبل ذلك، ونفخها تعلقها به. وليس ذلك مراد الحديث! بل إذا تكامل خلق الجنين أرسل الله إليه الملك، فنفخ فيه نفخة فتحدث الروح بتلك النفخة، فحينئذ حدثت له الروح بواسطة النفخة!)([26])
إلا أن المتحصل من ذلك كله، والذي عليه العمل في ورقتنا هذه؛ أنه لا خلاف بين المذهبين في أن النفس أو الروح مخلوقة، سواء كان ذلك قبل البدن أو بعده أو معه. وأنه لا يقول بقدمها إلا أصحاب المقالات الإلحادية. وأنها جوهر كينونة الإنسان، وأنها مفارقة للبدن. وأنها محل الوعي الإنساني. فالوجود البرزخي إذن؛ إنما هو وجود نفساني؛ لأن الجسم يأكله التراب، لكنه وجود عاقل واع. قال عز وجل: (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(المؤمنون:99-100)، وفي الحديث: عن أنس بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك قتلى بدر ثلاثا. ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال "يا أبا جهل بن هشام! يا أمية بن خلف! يا عتبة بن ربيعة! يا شيبة بن ربيعة! أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا" فسمع عمر قول النبي عليه الصلاة و السلام، فقال: يا رسول الله! كيف يسمعون وأنى يجيبون وقد جيفوا؟  قال "والذي نفسي بيده! ما أنتم بأسمع لما أقول منهم. ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا" ثم أمر بهم فسحبوا. فألقوا في قليب بدر)([27]). وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛ أنَّ رسولَ اللهe مرّ بقبرين فقال: "إنَّهُما يُعَذَّبانِ ومَا يُعَذَّبانِ في كَبير" قال: وفي رواية البخاري: "([28]).
ومن النصوص الدالة على السيماء الخاصة بالنفس الإنسانية، بمعزل عن البدن، هذا الحديث العجيب، الذي يصور حركة النفس بعد مفارقة الجسد بالموت مباشرة. قال عليه الصلاة و السلام: (إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحا قال ‌:‌ اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب! اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان! فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال‌:‌ من هذا ‌?‌ فيقول ‌:‌ فلان فيقال ‌:‌ مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب! ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان! فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله تبارك و تعالى. فإذا كان الرجل السوء، قال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث! اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق! وآخر من شكله أزواج! فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال‌:‌ من هذا‌?‌ فيقال:‌ فلان، فيقال‌:‌ لا مرحبا بالنفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث! ارجعي ذميمة، فإنها لا تفتح لك أبواب السماء! فترسل من السماء، ثم تصير إلى القبر; فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع، ولا مشعوف، ثم يقال له‌:‌ فيم كنت?‌ فيقول:‌ كنت في الإسلام، فيقال له‌:‌ ما هذا الرجل‌?‌ فيقول‌:‌ محمد رسول اللهe جاءنا بالبينات من عند الله، فصدقناه، فيقال له‌:‌ هل رأيت الله‌?‌ فيقول:‌ ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قِبَلَ النار، فينظر إليها، يحطم بعضها بعضا، فيقال له‌:‌ انظر إلى ما وقاك الله تعالى! ثم يفرج له فرجة قِبَلَ الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له‌:‌ هذا مقعدك! ويقال له‌:‌ على اليقين كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله; و يجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشعوفا! فيقال له‌:‌ فيم كنت‌?‌ فيقول‌:‌ لا أدري! فيقال له‌:‌ ما هذا الرجل‌?‌ فيقول‌:‌ سمعت الناس يقولون قولا فقلته‌!‌ فيفرج له فرجة قِبَلَ الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له‌:‌ انظر إلى ما صرف الله عنك! ثم يفرج له فرجة إلى النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا! فيقال‌:‌ هذا مقعدك! على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله!)([29])
فالوجود البرزخي إذن هو وجود نفساني واع، وإنما البدن في الإنسان لباس طيني فان!
ومن هنا فإنما خاطب الخالق جل وعلا الإنسان باعتباره (نفسا) على سبيل الاشتراك. أي بلا تمييز جنسي في الأصل. سواء كان الخطاب متعلقا بالتكوين أو كان متعلقا بالتكليف. قال تعالى مثلا: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(يوسف:53). وقال سبحانه: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)(الفجر:27-30) وقال أيضا: (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ)(البقرة:48) وقال أيضا: (لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا)(البقرة: 233) وقال سبحانه: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)(البقرة:281) وقال أيضا: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)(آل عمرن:25)، وقال أيضا: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة)(آل عمران: 185)
وقال أيضا: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)(النحل:111) وقال أيضا: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)(غافر:17) وقال أيضا: (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ. لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(ق:21-22) وقال أيضا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(الحشر:18) وقال أيضا: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)(الشمس:7-10).
فهذه النصوص الكثيرة، كلها دالة على أن النفس الإنسانية جوهر، وأنها هي محل الخطاب الإلهي. ومن هنا فالنفس هذه هي التي عُنِيَ الإسلام بتزيينها وتجميلها. ولذلك فرض الستر على المرأة؛ حتى لا تطغى سيماء الصورة على سيماء النفس، التي هي السيمياء الحقيقية، والتي هي أساس التميز في الإسلام. فالسيمياء الجسمانية لدى المرأة ذات خصوص جمالي يؤدي وظيفة تناسلية بالقصد الأول ووظيفة شهوانية بالقصد الثاني. فالقصد الأول قصد أصيل، فهو يخدم إحدى الضروريات الخمس في مقاصد الشريعة، على ما بينه علماء المقاصد، ألا وهي (ضرورة النسل)([30]). فزُيِّنَت الأنثى خَلْقا وتكوينا؛ حتى ينجذب الرجل إليها؛ فيكون ضمان استمرار النسل، كما مر في قوله تعالى من سورة النساء (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء)، وكما مر أيضا من سورة الأعراف: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ). ذلك هو الأصل الوجودي لجمال المرأة، والقصد الأصلي منه. نعم له قصد تبعي أو تابع وهو التزيين الشهواني المباح. وهو الوارد في قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)(آل عمران:14). فهذا التزيين طبيعي، أي بمعنى فطري. فالرجل مجبول على الانجذاب إلى الجمال الأنثوي، لكن لخدمة القصد الأصيل من النسل. وليس ذلك مقصودا لذاته؛ ولذلك جعل الله عقب الآية ما يلي: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)(آل عمران:15) ومشكلة الإنسان اليوم - ذُكْرانا وإناثا - أنه قلب الموازين! فجعل المقصود التبعي أصليا، والأصلي تبعيا؛ فانقلبت بذلك حقائق الحياة عنده، من الإنسانية الراقية إلى البَهَمِيَّة الساقطة، ومن المتعة الروحية إلى اللذة الشهوانية!
ولذلك كان اللباس الإسلامي بالنسبة للرجال والنساء معا قائما على خدمة هذه المقاصد الكلية العظيمة في الدين، وعلى احترام الوجود الإنساني، وعدم الإسفاف به، أو السقوط به إلى دركات العيش الحيواني الصرف! فسِتْرُ الصورة الجسمانية للأنثى - لما لها من خصوص تكويني - كان ليخدم قصده الأصلي ولا يتعداه إلى غيره إلا تبعا، في حدود جمالية المباح.. ومن هنا قال الرسول عليه الصلاة و السلام : (إِنّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَىَ صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ. وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَىَ قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)([31]). وعلى هذا المساق يفهم حديث النبي صلى الله عليه و سلم في زاهر بن حرام الأشجعي رضي الله عنه - وقد كان رسول الله عليه الصلاة و السلام يحبه، وكان رجلا بدويا ذميم الصورة! – إذ قال له في قصة طريفة: (ولكن أنت عند الله غال!)([32]). نعم! لقد كان عند الله كذلك؛ لما كان له من جمال النفس الذي غطى ذمامة الصورة، وأفاض عليها أنوار القبول، في الأرض وفي السماء!
إن لباس المرأة في الإسلام ليس أحكاما شكلية فحسب، على ما يعتقده بعضهم. كلا! إن اللباس مضمون جوهري يضرب في عمق الغيب! إنه بعد وجودي! يرتبط بالطبيعة الوجودية للمرأة من حيث هي إنسان.
لقد انطلق الخطاب القرآني للمرأة من مبدأ الخطاب الكلي للإنسان، منذ كان خطاب الوجود الأول للنفس الإنسانية! وذلك قول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)(الأعراف:172) فكان هذا التكليف الكوني العجيب: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)(الأحزاب:72). لقد جاء هذا التكليف في سياق خطاب كوني، وُجِّهَ للسماوات والأرض وما بينهما، فتَصَدَّر الإنسان بما فطر عليه من مؤهلات؛ ليكون إمام العابدين لله الواحد القهار، وليكون سيد السائرين إليه تعالى في الأرض وفي السماء. وليس بعيدا عن هذا القصد أمر الله تعالى ملائكته بالسجود لآدم، أول الخليقة من النفس الإنسانية. وهو يحمل في صلبه ذريته ذكرانا وإناثا.
ومن هنا خاطب المولى جل جلاله المرأة في القرآن باعتبارها (عاملا)، على سبيل التسوية المطلقة بين الرجل والمرأة في المسؤولية الوجودية من حمل الأمانة الكبرى، كما مر في قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْض)(آل عمران:195).
وأما ما خالفت المرأة الرجل فيه من أحكام؛ فذلك راجع إلى الطبيعة التكاملية بين الذكورة والأنوثة، وليس إلى تنقيص خلقي تكويني في طبيعتها. فقد ينقص الرجل في شيء لتكمله المرأة، وقد تنقص المرأة في شيء ليكمله الرجل؛ سعيا لتكوين الحاجة الفطرية الطبيعية بينهما ورغبة في دوام الالتقاء وضمان استمرار الحياة([33]).
إن تشريع اللباس الإسلامي إنما كان – مذ كان - في هذا السياق الكوني العظيم. فليس فيه إذن شكليات وهامشيات. إنه جوهر من جواهر الحياة، وعمق من أعماق الوجود الإنساني في الخطاب القرآني! إنه سيماء لحمل أمانة الاستخلاف في الأرض. قال عز وجل: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)(هود:61). ومن ثَمَّ كان ذلك أول قصد إبليس بالتدمير والتخريب في المجتمع الإنساني الأول! فاقرأ وتدبر هذه الآية العجيبة! قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا. وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ. إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)(الأعراف:26).
ذلك سر عجيب من أسرار اللباس في القرآن. فتدبر!([34])
والمرأة إذ تكشف عن أطرافها، ومفاتنها الجسمانية بتسيب شهواني؛ فإنما معناه أنها تبرز التمثال على حساب الطبيعة، وتمجد الفخار على حساب الروح! وتفر من تزيين حقيقة النفس إلى تزيين غلافها الخارجي فقط! فتخرج عن طبيعة الوجود البشري الذي قام على المفهوم النفسي في القرآن كما تبين، وتتنصل عن ماهيتها الوجودية ووظيفتها الكونية.
المبحث الثاني: السيماء التربوية لنفسية المرأة

تقوم السيماء التربوية للمرأة في الإسلام على ثلاثة أركان، ذات أبعاد جمالية خاصة، هي من لطائف الأنثى خِلْقَةً، ومن أسرارها العميقة. وهي كما يلي:
أولا- جمالية الأنوثة:
الأنوثة هي سر الجاذبية الخِلْقية في المرأة. والأنوثة في الإسلام مفهوم تكاملي؛ ومن هنا جماليته. أي أن به يُحَصِّل الرجل كمالَه، من حيث هو جنس بشري، وبدونه فهو ناقص أبدا. وكذلك المرأة في المقابل لا تكون إلا بالرجولة التي على أخيها أن يحفظها ويرعاها لها! و(الجمالية التكاملية) هي المذكورة في قوله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)(البقرة:187)؛ ومن هنا وجدنا الإسلام ينهى بشدة عن (تَرَجُّلِ المرأة) أي تشبهها بالرجل؛ لما فيه من فقدان الهوية الفطرية، للتكاملية الإنسانية، ثم لما فيه من إخلال بالتوازن الجنسي، والجمالي في الخلق. فالأنوثة حقيقة وجودية ضرورية لاستمرار النسل من ناحية، وضرورة وجودية للشعور بمعنى الحياة لدى الجنسين، بما يكون من إنتاج للوظيفة البشرية في بناء الأسرة. ومن ثَمَّ؛ من وظيفة عمرانية في قيام الحضارات، واستمرار التاريخ إلى ما شاء الله. فكان الترجل النسوي لذلك تهديدا للوجود الإنساني وخرما لتوازنه! وقد وردت أحاديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم في هذا الخصوص من مثل قولهعليه الصلاة و السلام: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ‌:‌ العاق لوالديه، والمرأة المُتَرَجِّلَةُ المتشبهة بالرجال، والدَّيُّوثُ! وثلاثة لا يدخلون الجنة ‌:‌ العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى)([35]). ومثله قوله عليه الصلاة و السلام : (ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا:‌ الدَّيُّوثُ، والرَّجُلَةُ من النساء، ومدمن الخمر)([36]). وعن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه و سلم قال: (لعن الله الرَّجُلَةَ من النساء!)([37])
والترجل في المرأة قد يكون شكليا كما باللباس، أو طريقة الكلام، أو المشي، أو نحو ذلك من الشكليات الظاهرة، وقد يكون بدنيا بتغيير خلق الله في نفسها، بالجراحات الطبية المحرمة التي تؤثر على طبيعتها الأنثوية، ووظيفتها الوجودية. وكل ذلك حرام بنص الأحاديث ومقاصد الشريعة. ومن هنا حرم الإسلام حتى مجرد التشبه بالرجل بله الترجل، كما حرم على الرجل التشبه بالنساء سواء! وذلك كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء!)([38])
وقال في خصوص التشبه في اللباس: (لعن الله الرجلَ يلبس لَبْسَةَ المرأة، والمرأةَ تلبس لبسةَ الرجل)([39]). فالأنوثة إذن؛ مقصد إسلامي وجودي وتشريعي، وكل خرم له هو خرم لحقيقة التدين ولحقيقة الحياة.
ثانيا- جمالية الحياء والتخفي:
الحياء ضد الفحش والتفحش، وضد البَذَاء. وجمالية الحياء هي من المقتضيات الفطرية للأنوثة. والحياء بطبيعته يميل إلى التخفي؛ لأن به يحفظ وجوده في النفس وفي المجتمع. إن الحياء كالزئبق، بمجرد ما ترفع عنه الغطاء يطير في الهواء ويتلاشى! ومن هنا كان لا حياء مع العري، وكان لا حياء مع البروز الفاضح. التخفي سر بقاء الحياء، والحياء سر بقاء الجمال! وإنما جمال الوردة ما لم تقطف! فإذا قطفت فركتها الأيدي ففقدت بهاءها، فلا جمال بعد! ومن هنا كانت الوردة الأجمل هي تلك المحصنة بين خضرة الأوراق وتيجان الأشواك!
والحياء عموما مبدأ إسلامي كلي، عام في كل شيء، سواء كان في الأقوال، أو في الأفعال، أو في الألبسة، أو في التصرفات وسائر الحركات. ‌وهو معنى قول النبي e الجامع المانع: (ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه )([40]). كما أنه كان عاما في كل إنسان، من حيث هو مسلم يحمل عقيدة معينة، وانتماء حضاريا متميزا. ولذلك قرنه النبي صلى الله عليه و سلم بالإيمان في قوله: (إن الحياء والإيمان قُرِنَا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)([41] ومثله قوله عليه السلام : (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار)([42]).
 ثم جعله بعد ذلك سلوكا يوميا، وتعبدا عمليا، وربطه بالله جل وعلا؛ معرفةً بجلال وجهه، وعظمة سلطانه، وجمال إنعامه، فقال عليه الصلاة و السلام: (استحيوا من الله تعالى حق الحياء! من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى, وليحفظ البطن وما حوى, وليذكر الموت و البلا ! ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا. فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء!)([43])
لقد قصدت بإيراد هذه النصوص أن أبين أن الحياء مقصد من أهم المقاصد الشرعية، التي تداني ما سطره العلماء في مقاصد الشريعة. وتَتَبُّعُ هذا المعنى بالمنهج الاستقرائي في النصوص الشرعية؛ يجعل منه كليا من أهم الكليات الخلقية في الإسلام.
ذلك ما يتعلق بالحياء مطلقا في الإسلام، أعني من حيث هو خُلُقٌ إسلامي عام في الرجال والنساء على السواء، وإن كان وجوده في المرأة أجلى وأبين وأجمل.
إلا أن المرأة في الشريعة الإسلامية اختصت منه بلطائف ومعان، ليست على الرجل، ضبطا وتشريعا. فكثيرة هي الأعمال التي أنيطت بالمرأة دون الرجل؛ رعيا لمقصد الحياء! فكل ما أوجب عليها التستر الجسمي أو الحركي أو الصوتي؛ فهو راجع إلى هذا المعنى.
فأما التستر الجسمي فهو ما فرض الله عليها من اللباس الإسلامي، في محكم القرآن العظيم، من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)(الأحزاب:59)، وما فصلته السنة النبوية في ذلك، من جزئيات بيانية توضيحية، من مثل قوله صلى الله عليه و سلم :  (ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله)([44]). ومثله قوله عليه الصلاة و السلام : (أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق الله عز وجل عنها ستره)‌([45]).
وأما التستر الحركي فهو ما فرضه الله عليها من الاتزان في المشي وفي الصلاة، وما حرمه عليها من التغنج في الشوارع، والأماكن التي يغشاها الرجال. قال تعالى: (وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)(النور:31) ومنعها من إمامة الرجال في الصلاة؛ لما فيه من كشف لحركة جسمها ومفاتنه عند الركوع والسجود! ونحو ذلك في الشريعة كثير.
وأما التستر الصوتي فهو متعلق بتلحين أنغامها الصوتية خاصة، وما في معناه من تغنج صوتي، وليس متعلقا بمطلق الصوت طبعا! وذلك كمنعها من الأذان، وتجويد القرآن بمحضر الرجال الأجانب عنها. ومن باب أولى وأحرى منعها من الغناء للرجال، وتلحين الصوت عند الكلام العام؛ قصد التأثير الجنسي على الرجل من غير الزوج! وذلك كله إنما هو مقدمات الزنى. ويجمع هذه المعاني قول الله تعالى الصريح: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)(الأحزاب:32).
كل ذلك إنما كان رعيا لجمالية الحياء الأنثوية في المرأة، وحفظا لفطرتها النفسية ولطائفها الوجدانية، وحمايتها من التسيب الخلقي الذي هو باب كل شر!
وعليه؛ فقد كان التخفي في الإسلام مطلبا تعبديا للمرأة في كل شيء؛ حتى في صلاتها! وبهذا المنطق يجب فهم حديث النبي عليه الصلاة و السلام الذي جعل صلاتها في بيتها أفضل - في الأجر والمثوبة - من صلاتها في المسجد، على عكس ما سنه للرجل تماما. وذلك قوله عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها، أفضل من صلاتها في بيتها!)([46]) وأوضح منه قوله صلى الله عليه و سلم: (لأن تصلي المرأة في بيتها خير لها من أن تصلي في حجرتها، ولأن تصلي في حجرتها خير لها من أن تصلي في الدار، ولأن تصلي في الدار خير لها من أن تصلي في المسجد)([47])
وعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي (أنها جاءت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك. قال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي!" قالت: فأَمَرَتْ؛ فَبُنِيَ لها مسجد في أقصى بيت في بيتها، وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل)([48]).
كل هذا التخفي في العادات والعبادات؛ إنما هو لحفظ جمالية الحياء. ذلك المقصد الذي يشكل سرا من أسرار الجمال في الأنثى!
وبهذه النصوص والمقاصد؛ يدرك المتبصر مقدار المخالفة الشرعية، في جمالية الحياء والتخفي، بين مثال المرأة المسلمة وبين حالها في واقعها المعاصر! فانظر – رحمك الله - كم هي بذيئة حالة الاستعراض التي تمارسها المرأة اليوم على الملأ، في الشوارع والأماكن العامة، تقليدا لعادات اليهود والنصارى! بل لقد وصل الجهل بمثل هذه الحقائق؛ أن صار كثير ممن ينتسبن إلى التدين والعفاف؛ لا يجدن حرجا في الخروج مع أزواجهن، مشيا على هيأة من التغنج الفاضح، والتلاصق المخجل! خاصة الأزواج الحديثي العهد بالزواج. وكأن كونهما مرتبطين بعَقد شرعي كاف لتسويغ حالة الاستهتار الخلقي، التي يمارسانها على الملأ، من التخاصر والتمايل. فما بالك بمن دونهما من الساقطين والساقطات! لقد فقد الناس الإحساس بالحياء! وفسدت أذواقهم إلا قليلا!
ثالثا- جمالية الأمومة:
الأمومة في الإسلام مفهوم خاص، وكذلك سائر مفاهيم الأسرة، كالأبوة، والبنوة، والعمومة والخؤولة...إلخ.
يخطئ من يظن أن تلك المصطلحات كما وردت في النصوص الشرعية، من كتاب وسنة؛ هي بالمعنى البيولوجي التناسلي فقط! كلا! إنها مفاهيم تعبدية! فالأبوة بالمعنى الجنسي، أو الأمومة بالمعنى التناسلي؛ كلاهما مفهوم بيولوجي له دلالة جنسية، يشترك فيها بالتساوي الإنسان مع سائر البهائم، والحيوانات الأهلية والوحشية!
إن المفاهيم الأسرية في الإسلام لها دلالة متفرعة عن مفهوم (الرَّحِم) بمعناه الإسلامي. و(الرحم) مصطلح قرآني أصيل، مشتق من (الرحمة)، يدل على معنى ديني مقدس في الإسلام. وهو الرابطة التعبدية التي تربط الناس فيما بينهم؛ بعلاقات تناسلية مبنية على مبادئ الشريعة. فلا يدخلها من الفروع والأصول إلا من كان نتاج عقد شرعي كامل!
ومن هنا فقَدَ الزاني مفهومَ (الأبوة) لما وُلِدَ له في الحرام؛ فلم يكن (أبا) بهذا الاعتبار! ولذلك لم يَجُزْ أن يلحق ابن الزنى بأبيه البيولوجي في أي شيء؛ نسبا وإرثا! لأن الأب في الإسلام إنما هو من كان له ولد شرعي من عقد شرعي.
والأصل في ذلك أن الله تعالى جعل الرحم، التي هي رابطة الأسرة في الإسلام؛ مَعْنىً تعبديا، لا يجوز انتهاكه بتغيير أو تبديل، ولا بقطع صلة؛ أي قطع العلاقات بين الفروع والأصول، عموديا أو أفقيا. بل جعل صلتها عملا تعبديا كسائر العبادات الأخروية المقرِّبة من الله تعالى. وجعل رتبتها التعبدية مقرونة في القرآن بتقوى الله ذاته جل وعلا. وذلك قوله سبحانه: ‌(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)‌(‌النساء:1‌).
وقال النبي صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه من الحديث القدسي: ‌(‌قال الله تعالى ‌:‌ أنا خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته، ومن بتَّهَا بتَتُّه‌!) ([49]) ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: ‌(‌الرَّحِمُ شُجْنَةٌ من الرحمن. قال الله‌:‌ من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته!)([50])  والشُّجْنَةُ هنا: القرابة المشتبكة كاشتباك العروق والأغصان. وفي صحيح مسلم أن رسول اللهe قال: ‌(‌الرحم معلقة بالعرش تقول‌: ‌من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله!)([51]) فتجاوز مفهوم (الرحم) أن يكون مجرد غشاء من اللحم في بطن المرأة لحمل الجنين، بل تعدى هذا المفهوم للدلالة على العلاقة التعبدية بين أفراد الأسرة من الأصول والفروع عموديا وأفقيا. وهذا سر القوة والصمود في بقاء الأسرة - بالمعنى الإسلامي - عبر التاريخ، رغم كل أشكال التذويب الثقافي، الذي تعرض له المسلمون في كل مكان!
إن الرحم نفسها بالمعنى البيولوجي، أي الغشاء الجنيني، هي راجعة في الاشتقاق اللغوي إلى معنى (الرحمة)؛ لما تتسم به الأم من هذا المعنى العظيم كلما حملت؛ فكانت لذلك مورد العطف والحنان! وإنما الرحمة من الله الرحمن الرحيم. هو جل وعلا يخلق ما يشاء كما يشاء.
وللدكتور عبد الوهاب المسيري تحليل دقيق للحركة النسوية في العالم العربي، يرجع به في نهاية المطاف إلى فضح الرغبة الغربية في تدمير نظام الأسرة الإسلامي؛ لما ذكرنا من اعتبارات. يقول: (والعالم الغربي الذي ساند الدولة الصهيونية - التي تحاول تفكيك العالم العربي والإسلامي سياسيا وحضاريا – يساند بنفس القوة حركات التمركز حول الأنثى في بلادنا (...) فالعالم الغربي الذي أخفق في عملية المواجهة العسكرية المباشرة مع العالم الثالث، اكتشف أن هذه المواجهة مكلفة وطويلة، ولا طاقة له بها؛ ومن ثم فالتفكيك هو البديل العملي الوحيد. كما أدرك العالم الغربي أن نجاح مجتمعات العالم الثالث في مقاومته يعود إلى تماسكها، الذي يعود بدوره إلى وجود بناء أسري قوي، لا يزال قادرا على توصيل المنظومات القيمية، والخصوصيات القومية إلى أبناء المجتمع؛ ومن ثم يمكنهم الاحتفاظ بذاكرتهم التاريخية، وبوعيهم بثقافتهم وهويتهم وقيمهم (...) وإذا كانت الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع؛ فإن الأم هي اللبنة الأساسية في الأسرة؛ ومن هنا تركيز النظام العالمي الجديد على قضايا الأنثى! فالخطاب المتمركز حول الأنثى هو خطاب تفكيكي (...) وهو خطاب يهدف إلى توليد القلق، والضيق والملل، وعدم الطمأنينة في نفس المرأة، عن طريق إعادة تعريفها! بحيث لا يمكن أن تتحقق هويتُها إلا خارج إطار الأسرة! وإذا انسحبت المرأة من الأسرة تآكلت الأسرة وتهاوت! وتهاوى معها أهم الحصون ضد التغلغل الاستعماري والهيمنة الغربية!)([52])
ومن ثَمَّ حازت الأم في الشبكة الأسرية موقعا مركزيا، لا يدانيها فيه أحد. ولذلك قال الله تبارك وتعالى في القرآن العظيم: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)(لقمان:14). فهو وإن وصى الإنسان بوالديه معا؛ إلا أنه خص الأم بذكر وظيفتها البيولوجية والنفسية والتربوية؛ فكان لها بذلك خصوص تمييز، لا يلحقه الأب. وهو صريح قول النبيe الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: ‌(‌جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك)([53]).
ومن هنا كان للأمومة جمالية خاصة في الإسلام، تتحقق على المستوى التربوي في تنشئة الفتاة، وإعدادها النفسي؛ لتملأ الوجدان الاجتماعي كله بالحب والحنان؛ مما يرسي نوعا من التوازن السيكولوجي في الأجيال، ويقوي النسيج الاجتماعي للأمة.

الفصل الثاني: المرأة وسيماء الصورة

المبحث الأول: سيماء الصورة في التدافع الحضاري


ونعني بسيماء الصورة هنا صورة الجسم. فكل الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، المتعلقة بلباس المرأة؛ إنما هي راجعة إلى الأصل الأول المبين في الفصل الأول. أي سيماء النفس. فوجب أن تكون الصورة خادمة للنفس وليس العكس، كما هي فلسفة الحضارة المادية في الغرب اليوم!
الصورة سيماء حضارية:
يخطئ الذين يظنون أن الصورة - بما تحمله من ألبسة وعلامات - محايدة لا انتماء لها. بل هي رمز خطير من أهم رموز الانتماء الحضاري! إنها تعبر عن تصور ما للحياة والوجود والمصير بصورة واعية، أو غير واعية.
إن العري في الغرب اليوم، عري الرجل والمرأة كليهما، صورة تعبر عن فلسفة حضارية! فأروبا وسليلتاها: أمريكا وأستراليا، تختزن مضمونا وثنيا قديما، يرجع إلى العهد اليوناني القديم. لقد انهزمت المسيحية يوم تبناها قسطنطين إمبراطور روما، فانتقلت من الشرق مهدها الأول إلى الغرب؛ ذلك أن الغرب لم يستطع أن يتخلص من فكره الوثني القديم. فبدل أن تتمسح أروبا توثنت المسيحية! أو بدل أن (تتنصر روما ترومت النصرانية) كما قال بعض مؤرخي الملل والنحل من المسلمين. وهذه أعظم مصيبة في تاريخ الديانة المسيحية! لقد فقدت طبيعتها الروحية إلى الأبد! قال ابن كثير رحمه الله: (ثم نبغ لهم ملك من ملوك اليونان يقال له (قسطنطين)، فدخل في دين النصرانية. قيل: حيلة؛ ليفسده، فإنه كان فيلسوفاً، وقيل: جهلاً منه، إلا أنه بدَّل لهم دين المسيح وحرَّفه، وزاد فيه ونقص منه، ووضعت له القوانين والأمانة الكبرى التي هي الخيانة الحقيرة، وأحل في زمانه لحم الخنزير، وصلوا له إلى المشرق، وصوروا له الكنائس والمعابد والصوامع، وزاد في صيامهم عشرة أيام؛ من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون، وصار دين المسيح (دين قسطنطين)!)([54])
إن الفنان اليوناني القديم الذي لا يجد حرجا في رسم أو نحت الصورة عارية تماما، مع العناية الشديدة في نقش الأعضاء التناسلية للرجل والمرأة، في التماثيل والصور؛ إنما يستجيب لطبيعة الفلسفة الإغريقية القديمة. فكل ذلك له دلالة التفسير المادي للحياة، والتصوير الغرائزي للإنسان! وهو حس وثني غليظ، بمقتضاه عبد الإنسان الشهوات السلطانية والمالية والجنسية، سواء في عهد الفراعنة في مصر، أو في عهد اليونان القديم، حيث الآلهة هي مرجع التفكير، والاعتقاد الفلسفي والاجتماعي لدى الإنسان. ولذلك كان العهر جزءا من فلسفة اليونان، وجزءا من قيمهم الدينية. وقد فصل العلامة المودودي في كتابه "الحجاب" هذا المعنى بما يكفي، لكنا نقتطف منه قوله رحمه الله: (وتبدلت مقاييس الأخلاق عندهم، إلى حد جعل كبار فلاسفتهم، وعلماء الأخلاق عندهم؛ لا يرون في الزنى وارتكاب الفحشاء غضاضة، يلام المرء عليها ويعاب! (...) وانتشرت فيهم عبادة أفروديت "Aphrodite" التي كان من قصتها عندهم في الأساطير "Mythology" أنها خادنت ثلاثة آلهة، مع كونها زوجة إله خاص! وأيضا كان من أخدانها رجل من عامة البشر، علاوة على تلك الآلهة. ومن بطنها تولد كيوبيد "Kupid" إله الحب! نتيجة اتصالها بذلك الخدن البشري!)([55]).
إن هذا المضمون - مع الأسف - لم تستطع المسيحية في أوروبا أن تقضي عليه، وإنما تكيفت معه وتبنته؛ استجابة لمحاباة الإمبراطور من جهة، واستجابة للعرقية الغربية اليونانية القديمة من جهة أخرى. ولكن الذي حدث هو تحول الأوثان من صورة إلى صورة! فبدل أن تصور الآلهة اليونانية شرعت في تصوير الآلهة المسيحية! فظهرت صورة العذراء وصورة المسيح عليه السلام - زعموا - وصور القديسين! وأثقلت بها الكنائس في كل مكان! وصار للمسيحية تجل وثني مع الأسف! هو الذي تطور ليعري الصورة البشرية الحية في الغرب اليوم كاملة! فتوجهت العقلية الغربية إلى التعري في كل مجالات الحياة! ومن هنا شهد الغرب ثقافة العري، التي طبعت أدبه وفنونه. ومن ثم صدرها إلينا مع المثقف العربي المصنوع على النمط الأوروبي!
ولذلك فليس عبثا أن يتجه الفن الإسلامي في العمارة إلى التجريد بدل التجسيد!  من خلال اعتماد الخط العربي في الزخرفة والتعبير، والأشكال الهندسية الانحنائية، المتكاتفة والمتعاطفة، نقوشا وأسوارا وأزقة، كتعاطف المصلين في الصف خلف الإمام. ثم الأشكال التجريدية في الأعمال من صيام وقيام. كل ذلك لأن التجريد هو الفضاء الأقدر على التعبير عن عقيدة التوحيد.
إن حركة العري الجنسية في الغرب اليوم ما هي إلا امتداد طبيعي للانتماء الحضاري اليوناني القديم! فهي تحمل في طياتها تقديس الشهوات، وعبادة الملذات. وبذلك صار للجسم/الصورة سلطة كبرى في بناء التصورات وصناعة القرارت، في السياسة والتجارة والإعلام! وتلك هي الوثنية في صورتها الجديدة!

الصورة سيماء إعلامية تجارية:
وبهذه الخلفية الحضارية وُظِّفَتْ صورة المرأة، كاسية أو عارية، في الثقافة الإعلامية الغربية، فكانت بذلك رمزا لترويج السلع والبضائع، والمنتوجات المختلفة، من خلال أبعاد صورتها الجسمانية، وما يتداعى عنها من غرائز جنسية، تستدعيها في نفسية المشاهد والمتلقي؛ ليكون بعد ذلك أحد المستهلكين للبضاعة، التي مرت إلى عقله عبر قناة الجسد، جسد المرأة المشتهى!
إن هناك شيئا يمكن تسميته بعلم النفس التجاري! لكنه (علم) – إن صحت العبارة - نشأ في بلاد لا تعرف معنى لمفهوم الحرام! بل إنما تفتقت عنه عبقرية الشيطان اليهودي أساسا؛ ولذلك فقد جاء يحمل كل خصائص الرأسمالية المتوحشة. فصار صناعةً تستغل كل شيء، وتضحي بأي شيء: الدين والأخلاق والأعراض والقيم الإنسانية جملة؛ من أجل الوصول إلى غاية واحدة: هي الربح! فكان أن وظف السيمياء الأكثر تأثيرا في نفسية المستهلك الشهواني، وهي: جسد الأنثى، في صورته الجنسية!
فكانت هذه الصورة - مع الأسف - هي القناة الإشهارية الأولى، لكل البضاعة العالمية، من السيارة حتى الحذاء! ولم تعد صورة المرأة في الواقع النفسي التجاري العالمي؛ تتجاوز معنى مومياء البلاستيك المعدة لعرض الأزياء على قارعة الطريق!
والصورة سيماء سياسية:
 وبنجاح السيماء التجارية في استغلال جسد المرأة بأبعاده الجنسية؛ انتقلت العدوى إلى مجال التدافع السياسي الصرف خاصة في الوطن العربي والإسلامي اليوم، حيث توظف الصورة العارية من خلال الأدب، والثقافة، والفن السينمائي، والمسرحي، والألبوم الغنائي، والموديل الفتوغرافي، وموضة الشارع المتحركة، حتى نمط العمل الإداري! كل ذلك لتدمير بنية التدين في المجتمعات الإسلامية، هذه البنية التي تعتبر خميرة ما يسمى (بالإسلام السياسي) باصطلاح أعدائه، أو (الصحوة الإسلامية)، أو (حركة تجديد الدين)، باصطلاح أبنائه. لقد استُغل السلاح النسوي استغلالا خطيرا، في إعادة صياغة الأسرة؛ وفق المقياس الأوروبي وقيمه الحضارية، ونقض أصول بناء الأسرة في القرآن بالتدريج. كل ذلك يحصل اليوم من خلال وسائل من أخطرها التطبيع على تداول الصورة العارية كموضة متحركة في بنية المجتمع العربي والإسلامي!([56])
والصورة سيماء قرآنية:
ومن هنا لم تكن عناية الإسلام بالصورة الجسمية فارغة من أي مضمون، أو مجرد شكليات، وجودها كعدمها، كلا! بل هي أيضا تعبر عن انتماء حضاري، وموقف عقدي، ورؤية وجودية. إنها عمق مذهبي، والتزام ديني([57]). ولذلك فليس عبثا أن تجد القرآن نفسه وهو أعظم مصدر ديني في الإسلام ينص على قواعد اللباس، وقواعد التصرف الصوري (نسبة إلى الصورة)، على سبيل الإلزام حينا، وعلى سبيل الإرشاد حينا آخر.
إن رمزية اللباس في الإسلام تنطلق مرجعيتها من قصة خلق آدم عليه السلام وزوجه حواء. حيث كان لباس الجنة رمزا للرضى الإلهي، وبمجرد ارتكابهما للخطيئة تحول ذلك إلى عري! فالعري هو رمز التمرد على الخالق. إنه إذن رمز الشيطان! قال عز وجل: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى. فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى. فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)(طه:117-122). إن هذه الآيات تلخص قصة اللباس كيف بدأ في تاريخ الإنسان وفي تاريخ الدين كله. فآدم عليه السلام وزوجه كانا على تمام النعمة في الجنة، أَكْلاً وشُرْباً ولباسا. فقوله تعالى: (ولا تعرى) دال على أنه عليه السلام كان يتمتع بلباس الجنة هو وزوجه. قال القرطبي في تفسير هذه الآيات: (فأعلمه أن له في الجنة هذا كله: الكسوة والطعام والشراب والمسكن)([58]). وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ("إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى": إنما قرن بين الجوع والعري؛ لأن الجوع ذل الباطن، والعري ذل الظاهر)([59]). وقوله (ولا تضحى) أي لا تتعرض لحر الشمس. فهو في ظلالها وجمالها.
فصرح القرآن العظيم بعلة وسوسة الشيطان لآدم وزوجه؛ أنها الرغبة في تعريتهما التعرية التامة! حتى تظهر لهما سوءاتهما، فيريان ذلك من أنفسهما معا! وليس أبعد في المنكر والخزي من أن يتعرى الإنسان، ويكشف عن عورته على ملأ الناس! إذن تمسخ طبيعته التي فطر عليها، من رتبة الإنسانية إلى دَرَك البهَمِيَّة، كما هي معظم شوارع هذا الزمان وتلفزيوناته! صحيح أن آدم وزوجه إنما كانا وحيدين في جنسهما آنذاك. إذ هما أول الخلق البشري. ولكن قصة آدم إنما كانت لوضع أصول التربية الفطرية للإنسان، والعهد إليه بميثاقها.
فالشيطان سعى قصدا لنقض هذه المقاصد، وتعرية الإنسان وتطبيعه على التعري، وخرق الحياء كقيمة إنسانية. ولذلك قال عز وجل في سورة الأعراف مبينا: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ. فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ!)(الأعراف:20-22).
ومن هنا كانت الآية البصيرة – وكل آيات القرآن بصائر - الآية التي تحكم منطق اللباس في الإسلام، وتوجهه، وتمنحه مضمونه المقاصدي بالشمول الكلي، تحيل تعليل فطرة اللباس وطبيعته الإسلامية على قصة آدم نفسها، لكن بوضوح أبين، ودلالة أقوى، وهي قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا. وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ. ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا. إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ. إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)(الأعراف:26).
والذي نفسي بيده! لو أبصرت النساء اليوم هذه الآية وحدها لكفتهن! ولكن أكثرهن - مع الأسف - هن كما قال الله تعالى عمياوات البصائر: (وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ!)(الأعراف:198).
ومن جمالية التعبير القرآني بهذه الآية البصيرة؛ أنه تعالى ذَكَر لباس الثياب، ثم كنى عنه بالريش؛ وذلك لما للطائر من جمال إذ ينطلق بريشه محلقا في الفضاء، أو مستقرا على الشجر، أو ماشيا على الأرض. وما أتعسه من طير فقد ريشه! أو نتفه من يعذبه به! ألا ذلك هو العذاب الأليم! وقرن تعالى هذا كله بلباس التقوى، وإنما القصد (بلباس التقوى) صلاح النفس، لا اللباس المادي الظاهر، ولكنه هنا سيق ليكون هو غاية اللباس المادي في الإسلام، والمقصد الأساس من تشريعه. فإنما اللباس ما عبر عن ورع صاحبه وتقواه، ذكرا كان أم أنثى.
ومن ثَمَّ كان العهد الذي أخذه الله على الإنسان، بعدم عبادة الشيطان؛ يعود بنا إلى قصة العري والعصيان الآدمي. وذلك قول الله جل جلاله: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)(يس:60-61). فكان الالتزام باللباس نوعا من الوفاء العَقَدي لعهد الله وعدم الإشراك به، كما كان التعري نوعا من الشرك والوثنية! لما فيه من إبراز وتقديس للجسمانية على حساب الروحانية؛ ومن هنا كانت أحكام اللباس في الإسلام متأصلة في عقيدة التوحيد! وهذا معنى من ألطف ما يكون، وسر من أعجب أسرار القرآن!.. فتدبر!
في هذا الفضاء الكوني القرآني إذن؛ جاءت آية سورة الأحزاب في فرض نموذج لباس المرأة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)(الأحزاب:59). وآيات سورة النور التي منها قوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)(النور: 31).
وفي هذا الفضاء أيضا جاء تمييز الرجال بألبستهم وصورهم. صحيح أن الإسلام لم يفرض نموذجا عربيا أو عجميا للباس، ولكنه فرض قواعد يجب أن تحترم سواء كان اللباس عربيا أو عجميا. وقد لبس رسول اللهe اللباس العجمي وأقره بين الصحابة، كالقَبَاطِي والجبة الرومية، وغير ذلك([60])، مادامت تلك الألبسة لا تحمل دلالة دينية رمزية لغير المسلمين من ناحية، وما دامت من ناحية أخرى تستجيب لقواعد اللباس الرجالي في الإسلام.
فالأمر الوارد بإعفاء اللحية بصورة مخصوصة لا بأي صورة، وكذا الأمر بالتزام قواعد معينة عند كل لباس؛ كل ذلك يخدم هذه الأصول التشريعية والعقدية المنطلقة من قصة آدم، والساعية إلى تمييز الإنسان المسلم عن عالم الخطيئة والعصيان الشيطاني، الذي انحدرت إليه أمم المجوس وأهل الكتاب من اليهود والنصارى. فقولهe مثلا: (خالفوا المشركين! أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى!)([61]) وفي رواية لمسلم: (خالفوا المجوس)؛ ليس لتشكيل صورة قائمة على مجرد فن الديكور! كلا! بل هو لتمييز الصورة الإسلامية في سيميائها الحضارية، وانتمائها العقدي. إنها تعبير عن التبرؤ من النموذج الشيطاني الذي جر إليه إبليس اللعين الأمم الضالة لتغيير خلق الله، بما حكى عنه القرآن العظيم مفصلا بشكل عجيب! قال تعالى: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا. لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا. وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا)(النساء:117-119).
ومن ذلك حديث أبي أمامة قال: (خرج رسول الله عليه الصلاة و السلام على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: "يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب!" قال: فقلنا: يا رسول الله! إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون؟ فقال رسول الله صلى اللهعليه الصلاة و السلام : "تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب!" قلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يَتَخَفَّفُونَ  ولا ينتعلون!([62]) فقال رسول الله عليه الصلاة و السلام: "فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب!" فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم (يعني: لحاهم) ويُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ (يعني: شواربهم)! قال: فقال النبي صلى الله عليه الصلاة و السلام: "قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم! وخالفوا أهل الكتاب!)([63]).
وبهذا القصد نهى الرجال عن إسبال الثوب، وإرخائه إلى ما تحت الكعبين من الأقدام؛ لما كان يدل عليه من خيلاء وكبر في عادات العرب، فقال عليه الصلاة و السلام: (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار!)([64]). وقالe مبينا علة ذلك: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)([65]). ولنكتف بهذه الإشارات فيما يتعلق بسيمياء اللباس لدى الرجل؛ حتى لا نخرج عن غرض هذا الكتاب المتعلق بسيمياء المرأة على الخصوص. وإنما القصد أن نبين أن اللباس عموما في الإسلام، سواء منه ما تعلق بالرجال، أو ما تعلق بالنساء؛ له دلالة سيميائية ترجع في رمزيتها إلى مقاصد دينية تعبدية، تضرب حقيقتها في عمق التصنيف الاعتقادي، وتتشكل صورتها في صلب الانتماء الحضاري، والتميز الثقافي.
العري كبيرة من الكبائر:
فمن هنا إذن؛ كان الوعيد النبوي شديدا بالنسبة للمتعريات من المسلمات، ففي هذا الإطار السيميائي، والسياق الحضاري؛ جاءت الأوامر القرآنية والنبوية بالتزام صورة معينة للباس لدى النساء. وأنكر الرسول عليه الصلاة و السلام إنكارا رهيبا تعري المرأة. والعجيب أن ذلك الإنكار تعلق بصورة (كاريكاتورية) للباس المرأة؛ لم تكن قد ظهرت في زمانه صلى الله عليه و سلم، ولا عرفتها العرب. وإنما حدَّث عنها عليه الصلاة والسلام مطلا على المستقبل من مشكاة النبوة، ومستبصرا للغيب، مما علمه الله. أي أنه كان يقرأ زماننا ويبصر عري نسائنا من قمة زمانه e! فأنكر ذلك المستقبل الماضي في علم الله، وحذر من مجاراته والافتتان به؛ لِمَا عَلِم - عليه الصلاة والسلام - من انتسابه الشيطاني، وتمرده على رب الكون! فرتب عليه وعيدا شديدا من عذاب الله! وتلك صفة كبائر الذنوب عموما في الإسلام، والسياق قاطع بأن هذه منها! وقد اشتهر في ذلك قولهe في الحديث الصحيح: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَهُمَا. قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ. وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)([66]).
فهذا الحديث من دلائل نبوته   صلى الله عليه و سلم ، فقد وصف فيه ما لم يره بعين البصر، وإنما رآه بعين النبوة، مما سيكون في آخر الزمان وهو زماننا هذا. فكان وصفه العجيب كأدق ما يكون الوصف؛ لما عليه حال النساء اليوم، مما لم يسبق له مثيل في التاريخ! فهن فعلا كما قالعليه الصلاة و السلام (كاسيات عاريات) بمعنى أنهن يلبسن ما به يكون العري أشد! وهو شيء غريب فعلا. ألا ترى أن نوع اللباس الأنثوي اليوم إنما هو لزيادة بيان تفاصيل العورة، ومواطن الفتنتة من الجسم: خِرَقٌ رقيقة أو ناعمة تكشف وتشف، أو ترسم هيأة البدن على التمام والكمال، وتعري بعضه أو أغلبه تعرية تامة. فإذا المرأة في الشارع تسير عارية تماما! إنها لو خرجت بلا ثوب مطلقا لما فتنت كما تفتن الآن بقليل اللباس، مما يكون به عرض مواطن الفتنة في الجسم على أبين وجه، وعلى أدق توصيف! فأي شيطان هذا الذي يملي هندسة الشر على منتجي الموضة في العالم؟ ذلك هو قول النبيعليه الصلاة و السلام (كاسيات عاريات!)
ثم إنهن بعد ذلك (مائلات مميلات)، ومعناه أنهن مائلات عن الصراط المستقيم أولا، ثم هن مائلات في مشيتهن بالطرقات، يَسِرْنَ بنوع من الانحناء إلى شمال تارة، وإلى يمين تارة أخرى؛ إمعانا في عرض أجسامهن العارية بأوضاع مختلفة، في المعرض المفتوح لأجساد النساء! ماذا بقي بعدُ من الكرامة لهؤلاء؟
وأما كونهن (مميلات) فهو أنهن يملن أعطافهن وأردافهن – إذا مشين - بتكسر ماجن، وتعهر فاضح. و(الإمالة) أيضا هي أثر ذلك كله على قلوب الشباب خاصة، وقلوب الرجال عامة، من التأثير الشيطاني والغواية الإبليسية، التي تميلهم عن الصراط المستقيم، وتخرجهم عن سبيل الهدى إلى سبل الضلال، وتخرجهم من النور الظلمات، أو من الظل إلى الحرور!
ثم هن كما قالe: (رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ)، ومعناه أن طريقة قص شعرهن، وشكل حلاقته؛ تجعل رؤوسهن أشبه ما تكون بأسنمة البُخْت المائلة. والبُخْت: جمع بُخْتِية، وهي الناقة. لكنها نوع خاص من الإبل، مُنَسَّلَةٌ من الجِمال العجمية. والأسْنِمَةُ: جمع سنام، وهو ذروة الناقة. وكثيرا ما تكون ذروة الناقة، أو الجمل؛ فعلا مائلة إلى جانب معين، ثائرة الوبر، متناثرة الشعر، بشكل وحشي، أو قل (فوضوي) بالمعنى الفني المعاصر للكلمة! أليس النساء هن كذلك فعلا؟ بلى والله! وبالضبط كما وصفهن النبيُّ! فَعُدَّ أنواع القَصَّات في حلاقة الموضة الجهنمية اليوم! لترى مدى صدق الرسولe في الوصف الاستبصاري النبوي! عُدَّ إذن: القَصَّةَ المربَّعة! وقَصَّةَ الفرس! وقَصَّةَ الفتى! (للبنات طبعا!) والقَصَّةَ الإيطالية! والقَصَّةَ الوحشية ...! إلى آخر ما في جعبة إبليس من تحليقات شيطانية! ذلك هو والله وصف الرسولe لهن: (رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ)! وصدق نبي الله صلى الله عليه و سلم.
فإذا أضفت إلى هذا ما أخبر به عليه الصلاة والسلام في بداية هذا الحديث، وهو الصنف الأول من أهل النار، أي: (قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ!) رأيت ما يسمى في العصر الحديث بـ(قوات مكافحة الشغب)، ورأيت (جلادي السجون)، وشرطة الاختطافات والاستنطاقات القسرية، ورأيت كيف يحملون معهم هراواتهم وسياطهم، وسائر أدوات التعذيب الميكانيكية والكهربائية؛ لتحطيم جماجم المستضعفين، وتهشيم عظام المظلومين في كثير من بلاد العالمين! مما لم يدر بخلد شياطين العهد النبوي! إذا أضفت ذلك إلى ذلك؛ علمت دقة التصوير النبوي لمدى خطورة الانحراف الذي عليه المرأة المسلمة اليوم!
فاقرئي الحديث - بنيتي - مرة أخرى، وتدبري! أليس كان عليه الصلاة والسلام ينظر إلى زماننا هذا بالضبط، وبدقة متناهية؟ أليس كان ينظر من مشكاة النبوة إلى غيب يبعد عنه e بأزيد من أربعة عشر قرنا من الزمان؟ بلى والله! وقطعا ستصدق نذارته كما صدقت نبوته. وإنما نذارته هنا هي قوله عن الفريقين: إنهم جميعا: (صنفان من أهل النار)، وأن النساء الكاسيات العاريات: (لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)! أي أنه كان يصف البعد الرهيب الذي يفصل بين هؤلاء النسوة وبين ريح الجنة؛ لِمَا هن هاويات فيه من دركات الجحيم الضاربة في أعماقها والعياذ بالله!
ولقد روي هذا المعنى بنبوءات أخرى عجيبة، في أحاديث صحيحة، تتحدث عن موديلات السيارات الفاخرة، التي تركبها النساء العاريات! فأبصَرَ منها النبي عليه الصلاة و السلام لقطة فيها من التناقض السلوكي، والانفصام النفسي والاجتماعي؛ ما نراه اليوم عيانا! وهو ذهاب هؤلاء الكاسيات العاريات مع أزواجهن إلى المساجد للصلاة أحيانا! زعموا! وهو ما يقع خاصة يوم الجمعة، وأحيانا لا يذهبن للصلاة، وإنما يتبعن موكب العرسان، على عادة بعضهم في إدخال العريس إلى المسجد، في جوقة من الزغاريد والغناء، والعري الفاضح الماجن. وهذا أمر نشاهده اليوم في مصيف الأعراس، في بعض المساجد المغربية! وهو من أقبح البدع وأسوئها! اقرأ هذا الحديث النبوي العجيب، وانظر إلى تلك السيارات الموصوفة منذ أزيد من أربعة عشر قرنا من الزمان! قالصلى الله عليه و سلم: (سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف! العنوهن فإنهن ملعونات! لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم! كما خدمتكم نساء الأمم من قبلكم)([67]).
وروي بلفظ آخر هو قوله عليه الصلاة و السلام: (يكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر([68]حتى يأتوا أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات! لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمتهم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم!)([69])
فتدبر هذا الخطاب الرهيب، والوعيد الشديد في قول النبي صلى الله عليه و سلم: (العنوهن فإنهن ملعونات!) ما كان ليكون ذلك كذلك؛ لو لم يكن التعري خطيئة من أبشع الخطايا، وأخسها! ولو لم يكن مسخا للفطرة الإنسانية، وتغييرا لخلق الله في السلوك النفسي والاجتماعي! إنه سيمياء الشيطان!
فالسِّتْرَ السِّتْرَ بنيتي! فإنه سيماء الرحمن! قال عليه الصلاة و السلام: (إن الله تعالى حَيِيٌ سِتِّيرٌ، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر!)([70])
والخلاصة في هذه المسألة أنه يمكنك القول: إن هيأة المسلم في لباسه ومظهره - رجلا كان أو امرأة – هي عبارة عن صلاة! بكل ما تحمله كلمة (صلاة) من معاني السير إلى الله خضوعا وخشوعا.
إن سيماء الصورة في الإسلام لغة كاملة؛ لغة من لغات الصلاة المودعة في أسرار هذا الملكوت! إنها تعبير عن منطق الطير، وصحف إبراهيم، وألواح موسى، ومزامير داود وإنجيل عيسى، وآيات هذا الكتاب العظيم، الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين. ذلك الدين الواحد، ضل عنه المحرفون الذين بدلوا، وغيروا خلق الله، ونبذوا ستر الله، وانحازوا لعري إبليس! فهدى الله المسلمين إلى جمال الستر. ولكن أكثرهم اليوم – مع الأسف – لا يعقلون!

المبحث الثاني: التأصيل الفقهي لسيماء الصورة في الإسلام


ونظرا لعمق الدلالة السيميائية للباس المرأة في الإسلام، وارتباطه بماهيتها الإنسانية كما بينا؛ فقد جاء تشريع أحكامه فريضة في القرآن نفسه. ولم يترك ذلك لتشريع السنة فقط، أو تشريع الاجتهاد فقط، على الرغم مما للسنة ثم للاجتهاد من قيمة تشريعية في الإسلام. لقد تولى الله جل جلاله بذاته إنزال حكم لباس المرأة من فوق سبع سماوات! وفي ذلك ما فيه من قوة تشريعية، وحجية إلزامية ليس فوقها قوة!
 يمكنك مطالعة هذا المبحث بتحميل الكتاب هنا
....
الخصائص العامة للحجاب الشرعي:
وإنما الخصائص العامة للباس الشرعي لدى الأنثى تتمثل فيما سبق بيانه سيميائيا وفقهيا، مفصلا بكل مباحث هذا الكتاب، وخاصة بهذا المبحث الأخير: (التأصيل الفقهي لسيماء الصورة في الإسلام). ولكن يمكن إجمالها الآن - بصورة أخرى – في ثلاث خصائص وهي:
- الخصيصة الأولى: وتتمثل في المقصد التعبدي. وهذا هو مربط الفرس، وأصل الأصول من اللباس الشرعي، لدى الرجال والنساء على حد سواء. فهو رمز الطاعة لله رب العالمين، خالق الأكوان أجمعين، وخالق الإنسان من طين! فحق الخالقية في أن نوحد الله وحده دون سواه متعلق بسيمياء اللباس، كما هو متعلق بكل سيمياء تعبدية، من سائر أعمال الجوارح والقلوب؛ تأصيلا بما سبق بيانه من قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا. وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ. إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)(الأعراف:26). فكل لباس أخطأه هذا القصدُ فَقَدَ معناه التعبدي! وصار عرضة لأي انحراف، ولو زعمَتْ صاحبتُه ما زعمت، من دعاوى التدين والالتزام!
        - الخصيصة الثانية: وتتمثل في المقصد الفقهي، وذلك بتصحيح المطابقة الظاهرة والباطنة، للمقاييس القرآنية والسنية، مما سبق بيانه من مصطلحي الجلباب إدناءً، والخمار ضربا. وذلك بما يشمل الجسم كله، من أعلى الرأس حتى ظاهر القدمين، ما عدا الوجه والكفين، بشروطه السالفة الذكر، من كون الثوب وافيا ضافيا، ساترا فضفاضا، لا يصف ولا يشف، لا معطرا، ولا مزركشا، يستوعب جميع البدن، في ثوب واحد. وهو معنى الجلباب ومقتضى العبارة من إدنائه، كما تبين من آية الأحزاب. ثم خمار للرأس يكون وافيا حتى تتمكن صاحبته من الضرب به على الجيوب. وإنما الجيوب – كما بيناها – هي: ثنايا العنق من النحر، والقفا، والمنكبين. وذلك مقتضى عبارة الأمر الرباني العظيم: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ). مع إدناء الثوب – سواء كان خمارا أو جلبابا، حسب طبيعة اللباس من بلد إلى آخر – وتقريبه؛ حتى تضرب به على بداية الوجه، وحتى يستوعب مقدمة الجبين على حدود الحواجب، ثم ترخيه على كتفيها وصدرها ونحرها، ثم تشده على ما هنالك؛ لتمتثل الضرب على الجيوب؛ استجابة لأمر الله جل وعلا.
- الخصيصة الثالثة: وتتمثل في المقصد الرسالي والدعوي. وذلك بالمجاهدة لتحصيل التقوى، في النفس وفي المجتمع، بما يرمز إليه اللباس الشرعي من معان جليلة، ودلالة على الانتساب إلى السابقين بالخيرات، والمرابطة به في سبيل الله مدافعةً لقوى الشر المتربصة بقيم الإسلام وتعاليمه، مما بيناه في كتاب (بلاغ الرسالة القرآنية)، إذ سبق قولنا:  (اليوم تدور حرب حضارية كبرى، هذا قدَر زماننا، فإما أن نكون فيه ـ كما يجب أن نكون ـ أو لا نكون!
العري هزيمة! والعفاف خطوة كبرى في طريق الانتصار. ومن هنا جاء فرض الحجاب في القرآن، وفي القرآن نفسه قبل سواه. وما نزل القرآن بحكم إلا كان أمرا جليلا، وعزما مبينا، وكان هتكه جرما عظيما. فالستر يا بنيتي - لو تبصرين - جمال وجلال (...).
ثم إن حجابك الشرعي راية دعوة وجهاد لو تعلمين! إنه ناطق بكثير من المعاني، إنه يعلن للعالمين أن المرأة المسلمة ليست مجرد جسد للتجارة، في أسواق السياسة والإعلام! إنها نفس إنسانية تَسْبَح في فلك الأمانة الكونية التي حملها الإنسان. تؤدي وظيفتها الحقيقية، عمارةً في الأرض على المنهج الرباني، والتكليف الرسالي. تحمل بلاغات القرآن، في طريقها إلى الله، سائرة على أثر الأنبياء والصديقين والشهداء، من القرآن إلى العمران)([71])
تلك خصيصة الحجاب رسالةً ودعوةً، فهل وفيت؟


الخاتمة: نهاية فبداية:
بنيتي! كفى شرودا عن باب الله! عودي إلى مولاك الذي صورك فأحسن صورتك! عودي إلى باب الرضى الرباني الكريم! تعرفي على الله! وتعرفي إلى جماله وجلاله، تعرفي إليه بقلبك، وبجمال أعمالك، فهو عز وجل (جميل يحب الجمال، ويحب معاليَ الأخلاق ويكره سِفْسَافَها!) كما هو ثابت في قول الرسول الكريمe([72]).
بنيتي..! اكتشفي ذاتك! وادخلي بحر المعرفة الربانية، فتلك سياحة لا يعرف بهاءها إلا من جربها.. وتعرفي على أنوار الأسماء الحسنى، وتجلياتها الفضلى، وتجولي بوجدانك في طريق الله، صعدا عبر مدارج الإيمان، وفضاءات الإحسان! فتلك سياحة لا يدرك لذتها إلا من ذاقها!
فهلا ذقت! هلا ذقت ما الدين؟ وما التدين؟ وما معنى التعرف إلى الله؟
هل تعرفين الله حقا؟ اسألي نفسك هذا السؤال! وركزي قبل الإجابة: ماذا تعرفين عنه؟ ماذا تعرفين عن جماله وجلاله؟ وماذا تعرفين عن تجليات أسمائه وإحسانه؟ هل ناجيته من قبل؟ هل أبصرت آياته في نفسك أنت؟ أنت، أنت دون سواك! ثم هل أبصرت آياته في الآفاق؟ وفي مسالك الحياة؟ كما تمرين بها أنت! لا كما تحكي الكتب والمقالات! هل شاهدت مسالك أنوارها في حياتك؟ هل رأيت كيف تنهمر بالنور من أعلى الآفاق لتشع بجمال السلام في الكون، بالليل وبالنهار؟ لِمَ لا تغترفين من هذا الحوض المتدفق من أعلى؟ لماذا تصرين على البقاء في الظلام؟
بنيتي! أنت حمامة، لك جناحان هما: صلاتك وحجابك! فطيري في فضاء الروح! غادري نتونة الصلصال المسنون! وانشلي ريشك من عفَن المستنقعات الآسنة! طيري إلى أعلى.. ثم أعلى ثم أعلى! في فضاءات التعرف إلى جمال الله، والاغتراف من نوره الطاهر الصافي؛ عساك تفرحين به ويفرح بك!
أنصحك بنيتي: جربي! ولك في كتابنا: (بلاغ الرسالة القرآنية: نحو إبصار لآيات الطريق) مدخل سالك – إن شاء الله - إلى هذه المعاني. فانطلقي إلى الحياة! انطلقي من القرآن إلى العمران!
ذلك توفيق الله. وإنما الموفقة من وفقها الله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(آل عمران:200).
وكتبه عبد ربه راجي عفوه وغفرانه، الفقير إلى رحمته ورضوانه: فريد بن الحسن الأنصاري الخزرجي السجلماسي، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين. وقد وافق تمام تبييضه وتصحيحه - بمكناسة الزيتون، من حواضر المغرب الأقصى - ليلة الجمعة 24 من شهر رمضان المعظم، لعام: 1423هـ/ 29/11/2002م.
رحم الله فريد الأنصاري و جازاه عنا أحسن الجزاء



تسجيل صوتي في غاية الأهمية

للاستماع توكل على الله و اضغط هنا:مسخ النفس لفريد الأنصاري








 باسم الله الرحمن الرحيم

 قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴿1﴾ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴿2﴾ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴿3﴾ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ﴿4﴾ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴿5﴾ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴿6﴾




(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ!)(الزمر: 11)

... ثم قرأت القرآن، فوجدت أن دعوة الإسلام دين! دينٌ يُعْبَدُ به الله الواحد القهار، وليست شئا آخر! ما هي بانتماءات ولا شعارات، ولا أحزاب، ولا ألقاب! إنها دعوة للناس كل الناس، دعوة للتعرف إلى الله، وإلى رعاية حقوق الله قبل حقوق الإنسان!
وإن الدين لا يسمى "دينا" - على الحقيقة - إلا إذا كان عبادة لله رب العالمين! وإن العبادة لا تكون كذلك إلا إذا كانت خالصة لله!
وهنا وجدت جواب القرآن: الإخلاص!
وجدت جواب القرآن سيفا صارما يفصل ما بين الحقيقة والتمثال! وأبصرت هذا الفرقان العظيم: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ!)(الزمر: 2-3) وكذلك: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ!)(الزمر: 11) ومثله قوله سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ!)(البينة: 5) ومثل هذا وذاك من الفرقان كثير!
نعم هكذا هو الأمر إذن: (أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ!) وما ليس بخالص فليس له! وإنما هو لمن توجه إليه به صاحبه!.. ومعنى الخالص: النظيف الصافي على أكمل ما يكون الصفاء! كاللبن الصافي إذا لم يخلطه شيء ولو نقطة! كان لبنا خالصا، فإن وقع فيه شيء، ولو مقدار ذرة؛ فَقَدَ معنى كونه خالصاً!
...
ولقد شاهدت يقينا أن لا طريق إلى الله إلا طريق الإخلاص! وأن ليس لشهادة: "أن لا إله إلا الله" – التي هي عنوان الإسلام - من معنى غير الإخلاص!
وشاهدت يقينا أن كل ما وقع في شَرَكِ "أنا" و"نحن"؛ فَقَدَ حقيقة الإخلاص! وإنَّ طائفةً ارتفعت عنها يد الله ورعايته ما كان لها أن تصل، ولا أن تفوز أبداً!
ولقد رأيت كلمات القرآن الثقيلة، ترتفع فوق قلوبنا المغرورة، منذرة بعاصفة الآخرة الكبرى! العاصفة الكاشفة الناسفة! (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا!)(الفرقان: 23)
فيا قلبي العليل!.. إخلاصَك إخلاصَك! قبل فوت الأوان! إخلاصَك في كل كلمة، إخلاصَك في كل خطوة، إخلاصَك في كل حركة، إخلاصَك في كل سَكَنَةٍ، إخلاصَك في كل فكرة، إخلاصَك في كل خَطْرَةٍ! فالإخلاص هو صمام أمانك، وهو بوصلة سيرك، وميزان عملك، وضمان وصولك! وإنك إن تَعِشْ لحظةً واحدة بغير إخلاص؛ تكن قد وضعت مصيرك على فوهة مدفع الشيطان! فالنجاءَ النجاءَ، والبدارَ البدارَ، والفرارَ والفرارَ إلى الاحتماء بحصن الإخلاص قبل فوات الأمان!
وتسألني يا صاح: كيف السبيل إلى التحقق بالإخلاص؟.. وليس لي إلا أن أجيبك بكلمتين: الإخلاص قَرَارٌ ومُكَابَدَةٌ! أو قل: عزيمةٌ ومجاهَدةٌ! وإنما هذا قَبَسٌ ساطعٌ من نور القرآن، إنه من تجليات قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(البقرة: 218). فكما ترى هذه مراتب ثلاث: الإيمان، والهجرة، والجهاد. فالإيمان أساس لا يصح عمل بدونه. لكن الإيمان لا يرتقي إلى مقام الإخلاص، والولاء الكامل لله إلا بالهجرة! فالهجرة هي القضية! وهي التي تحتاج إلى ذلك القرار وإلى تلك العزيمة!
نعم! إن الهجرة الحسية باعتبارها ضرباً في الأرض واغتراباً، لا يمكن أن تقع إلا بعد تفكير وتقدير، وطول تدبير! وذلك معنى العزم أو القرار. وكذلك هجرة الروح إلى منـزلة الإخلاص! لا بد فيها من قرار مكين متين، تتخذه النفس في خاصة أمرها، وتوثق عليه عهدها مع الله! وإلا فإن كبار القضايا لا تنال بالتمني!
حتى إذا انطلقت النفس في تصفية بواطنها، وتخليص رغائبها ومقاصدها، فَوَحَّدَتْ قِبْلَتَهَا قَصْداً واحداً، لا تخالطه الأغيار ولا تكدره الأكدار، فكان الله – جل جلاله – وحده هو مرادها، لا ترى لها مقصودا سواه، ولا تأذن للسانها بأي كلمة أو خطوة في الدين والدعوة، إلا إذا كانت خالصة لله؛ فإنها حينئذ تصبح في حاجة شديدة إلى الجهاد..! جهاد تقاتل فيه غارات الشيطان المتغيظ من اعتصامها بإخلاصها العظيم! ولا يجد الشيطان راحته حتى يكون له من عمل ابن آم حَظٌّ ونصيب! لكن المجاهد منصور بإذن الله : ( و إن جندنا لهم الغالبون) (الصافات 173).
ولا يزال عبد الله المخلص في مجاهدة خواطر التحريف والتضليل في نفسه حتى يلقى الله! وبذلك يتلقى المؤمن الخالص فرقان السير إلى الله، في دينه ودعوته، ويُرْزَقُ بوصلة الاتجاه! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(الأنفال: 29)
تلك إذن هي طريق الإخلاص، وذلك هو مسلكه الفريد. قرارٌ ومجاهدة، فاتخذ يا صاح قرارك، وجهز سلاحك، والله معك!
فيا إلهي الرحيم..!
هذا قلبي الضعيف بين إصبعيك، تُقَلِّبُهُ كما أنت تشاء! ترى ظاهره وباطنه، وتعلم خافيه وجاهره، وتعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور..! فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك! اللهم احفظني بكلمة الإخلاص، واعصمني بحصن الإخلاص، واهدني بنور الإخلاص!
اللهم إني أعوذ بك من عُجْبِ نفسي وهواها، وأعوذ بك من طغيانها وطغواها، وأسألك النجاة من شرها وزيغ رؤاها! اللهم إني أعوذ بك أن ينبت فيها حظ لها، أو لأي أحد سواك! اللهم اجعل عملي خالصا لك وحدك، لا شريك لك! لا تسميع ولا تلميع! ولا تنميق ولا تزويق! اللهم إنما أنا عَبْدٌ، لا حول ولا قوة لي إلا بك؛ فأكرمني بولايتك، واجعلني من أهلك وخاصتك، وأدخلني في رحمتك، مع عبادك المخلَصين!
وصل اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

رحم الله فريد الأنصاري



[1]  الفجور السياسي للمؤلف، صدر عن منشورات الفرقان الدار البيضاء: 2000م.
[2]  لقد سبق إلى هذا المعنى – بوجه آخر - فضيلة الدكتور أحمد الأبيض التونسي، في كتابه الرائد (فلسفة الزي الإسلامي)(الطبعة الثانية بالمغرب/الدار البيضاء، ضمن سلسلة الحوار رقم:2 سنة: 1990)، بيد أننا ههنا ركزنا أكثر على بيان (سيماء المرأة) من خلال النصوص الشرعية، على المستويين: النفسي والصوري، وبيان مقاصد الأحكام الشرعية من كل ذلك.
[3]  كتب الأستاذ مصطفى المرابط مقالا متميزا في بيان هذه الحقيقة جعله بعنوان: " المرأة/المرأة: مقاربة حضارية" منشور بمجلة المنعطف المغربية، ص:40-53. عدد مزدوج:15-16 –1421/2000)
[4]  لتَدَبُّرِ هذه الأسئلة وتأملها؛ اقرئي - إن شئت كتابنا: بلاغ الرسالة القرآنية.
[5]   روى مالك رحمه الله في موطئه أن امرأة (سألت أم سلمة زوج النبيe: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت تصلي في الخمار والدرع السابغ إذا غيب ظهور قدميها) الموطأ: 1/142 ورواه أيضا أبو داود والبيهقي والدارقطني وعبد الرزاق في مصنفه. وروى مالك مثل ذلك عن عائشة وميمونة في الموطأ أيضا.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: (وقد أجمعوا أنه من صلى مستور العورة فلا إعادة عليه. وإن كانت امرأة فكل ثوب يغيب ظهور قدميها ويستر جميع جسدها وشعرها فجائز لها الصلاة فيه؛ لأنها كلها عورة إلا الوجه والكفين. على هذا أكثر أهل العلم) التمهيد:6/364.
[6]  متفق عليه
[7]  ولا يدخل فيه طبعا عملية تقويم الاعوجاج للأسنان، أو لأي عضو من الأعضاء به عيب معلوم. فذلك تطبيب مشروع وعلاج مأذون، وليس تغييرا لخلق الله.
[8]  انظري ذلك مفصلا بأدلته في المبحث الثاني من الفصل الثاني (التأصيل الفقهي لسيماء الصورة في الإسلام).
[9]  الحجاب للمودودي: 6.
[10]  رواه مسلم
[11]  المقاييس: (وسم).
[12] المفردات في: (سام). والحديث الذي أورده الأصفهاني هو عن عمير بن إسحق قال: إن أول ما كان الصوف ليوم بدر. قال رسول اللهe: (تسوموا فإن الملائكة قد تسومت، فهو أول يوم وضع الصوف) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه وابن جرير الطبري في تفسيره: 4/82. قلت: وهو ضعيف فعمير تابعي وفيه جهالة وقد أرسل الحديث!
[13] مختار الصحاح: (سوم).
[14]  اللسان: (سوم).
[15] القاموس: (سوم)
[16]  وهو قولهe: (استوصوا بالنساء خيرا؛ فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا)(متفق عليه). وليس الاعوجاج في هذا السياق وصمة ذم كما يظنه بعض العوام، بل هو بيان الطبع العاطفي الجارف للمرأة، وما يعتريه من تقلب وميلان، كما اقتضته حكمة الله في خلق الأنثى؛ لتكون زوجة وأُمّاً تفيض بالحب والحنان. ولذلك جاء في سياق (الاستيصاء بالخير)، ولا يستوصى إلا بمحبوب، فتأمل!

[17]  الدكتورة نوال السعداوي
[18]  مجموع الفتاوى: 14/ 296.
[19]   رواه الترمذي والحاكم،‌ وصححه الألباني انظر حديث رقم‌:‌ 5208 في صحيح الجامع‌.
[20]  رواه أبو نعيم في الحلية‌ عن ميسرة الفجر، ‌ورواه ‌ابن سعد‌‌ عن أبي الجدعاء، ‌وابن ‌حبان‌‌ عن ابن عباس‌.‌ وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 4581 في صحيح الجامع‌.
[21]  رواه الطبراني‌ عن عبادة بن الصامت مرفوعا‌. وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 1985 في صحيح الجامع‌.
[22]  شفاء العليل لابن القيم:1/294.
[23]  رواه البخاري عن عائشة ورواه مسلم عن أبي هريرة.
[24]  الروح لابن القيم:91-92.
[25]  هذا مختصر حديث متفق عليه
[26]  أحكام أهل الذمة: 2/1058-1059.
[27]  متفق عليه
[28]  متفق عليه
[29]  رواه ابن ماجه‌‌. ‌وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 1968 في صحيح الجامع‌.‌
[30]  ن. الموافقات للشاطبي: 2/ 9 و17.
[31]  رواه مسلم.
[32]  عن أنس أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً، وكان يهدي إلى النبيe الهدية فيجهزه رسول اللهe إذا أراد أن يخرج، فقال رسول اللهe: "إن زاهراً باديتنا ونحن حاضروه". وكان النبيe يحبه، وكان ذميماً، فأتى النبيe يوماً وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف النبيe فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبيe حين عرفه، وجعل النبيe يقول: "من يشتري العبد؟". فقال: يا رسول الله إذاً تجدني كاسداً! فقال النبيe: "لكنك عند الله لست بكاسد". أو قال: "لكن عند الله أنت غال".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح.‏ مجمع الزوائد: 9/616: كتاب البيوع، رقم الحديث: 15979.
[33]  وعلى هذا الوزان يفهم قول النبيe للنساء: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن) متفق عليه. فليس المراد قطعا الاستهانة بجنس الأنثى كلا! فحاشا رسول اللهe أن يصدر منه شيء من ذلك، والأنثى خلق الله السوي، وصنعه المتقن. وإنما المقصود هو النقص التكاملي، كما بيناه أعلاه، وهو هنا في خصوص هذا الحديث نقص يقابله فيض عاطفي نبيل نقص فيه الرجل، وكذا تفرغ بيولوجي لحمل سر الخلق الإلهي العظيم، وضمان استمرار الحياة! فكانت لها بذلك إجازات في الحيض وفي النفاس؛ لتأدية ذلك الدور الأمومي الذي فاقت به زوجها أضعافا ثلاثة! كما هو واضح في حق الآباء على الأبناء. فتأمل!
[34]  سيأتي تفصيل ذلك بالمبحث الأول من الفصل الثاني.
[35] رواه أ‌حمد والنسائي والحاكم‌‌ عن ابن عمرو‌.  وصححه الألباني. انظر حديث رقم‌:‌ 3071 في صحيح الجامع‌.
[36] رواه الطبراني‌ عن عمار بن ياسر‌ . وصححه الألباني. انظر حديث رقم‌:‌ 3062 في صحيح الجامع الصغير.
[37] رواه أبو داود، وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 5096 في صحيح الجامع‌.
[38] رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه‌ عن ابن عباس‌. وصححه الألباني. انظر حديث رقم‌:‌ 5100 في صحيح الجامع‌.
[39]   رواه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة‌. وصححه الألباني. انظر حديث رقم‌:‌ 5095 في صحيح الجامع.
[40] رواه أ‌حمد والترمذي وابن ماجه‌ عن أنس‌. وصححه الألباني. انظر حديث رقم‌:‌ 5655 في صحيح الجامع‌.
[41] رواه الحاكم والبيهقي‌‌ عن ابن عمر‌.‌ وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 1603 في صحيح الجامع‌.
[42]  رواه الترمذي والحاكم والبيهقي في شعبه عن أبي هريرة، ‌كما رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي‌عن أبي بكرة. ‌ورواه الطبراني والبيهقي‌‌ في الشعب عن عمران بن حصين‌. وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 3199 في صحيح الجامع.
[43]  رواه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي‌ عن ابن مسعود‌.‌ وحسنه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 935 في صحيح الجامع‌.
[44] رواه أبو داود والترمذي‌‌ عن عائشة‌.‌ وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 5692 في صحيح الجامع‌.‌
[45] ‌ رواه أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي‌‌ عن أم سلمة‌.‌ وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 2708 في صحيح الجامع‌.‌
[46]  رواه أبو داود‌‌ عن ابن مسعود، ورواه الحاكم‌ عن أم سلمة‌.‌ وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 3833 في صحيح الجامع‌.‌
[47]  ‌رواه البيهقي في سننه‌ عن عائشة‌.‌ وحسنه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 5039 في صحيح الجامع‌.‌
[48]  رواه أحمد والطبراني. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: "ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن سويد الأنصاري، ووثقه ابن حبان". ولذلك قال ابن حجر في فتح الباري : "وإسناد أحمد حسن".
[49] ‌رواه أ‌حمد، وأبو داود والترمذي والحاكم‌ عن عبد الرحمن بن عوف، كما رواه الحاكم‌ عن أبي هريرة‌. وصححه الألباني.‌ انظر حديث رقم‌:‌ 4314 في صحيح الجامع‌.
[50] رواه البخاري
[51]  رواه مسلم.
[52]  مقال د. عبد الوهاب المسيري: "ما بين حركة تحرير المرأة، وحركة التمركز حول الأنثى: رؤية معرفية" منشور بمجلة المنعطف المغربية، ص:93. عدد مزدوج: 15-16 –1421/2000.
[53]  متفق عليه.
[54]  تفسير ابن كثير: في تفسير قوله تعالى: (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي) الآية:(آل عمران:55).
[55]  الحجاب: 15. وانظر تفاصيل هذه الفلسفة فيما بعدها من صفحات!
[56]   ن. ذلك مفصلا في كتابنا: الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب.
[57] يقول الدكتور أحمد الأبيض التونسي: (إن الدعوة للتمسك بالزي الإسلامي ليست دعوة شكلانية ظاهرية؛ لإيماننا أن اللباس ليس غلافا خارجيا للجسد، بل هو كساء للجسد بمجموع القيم والمبادئ التي تحملها ثقافة معينة، ومن خلالها تقرأ الجسد وتُرَمِّزُه) فلسفة الزي الإسلامي: 8-9.
[58]   الجامع لأحكام القرآن: ج11/ 253
[59]   مختصر تفسير ابن كثير للصابوني:3/168. طبعة دار الفكر بيروت.
[60]  والقَبَاطِي، بفتح القاف، وكسر الطاء، كما هو عند ابن الأثير: جمع قِبْطِيَّة، وهي: ثوب من ثياب مصر القبطية رقيقة بيضاء، كأنها منسوبة إلى القبط. انظر كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر: (حرف الجيم باب الجيم واللام).
وشاهده ما رواه أسامة بن زيد قال: (كساني رسول اللهe قبطية كثيفة مما أهداها له [هرقل] فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول اللهe: مالك لم تلبس القبطية؟ قلت: يا رسول الله كسوتها امرأتي، فقال: رسول اللهe: مُرْهَا فلتجعل تحتها غلالة؛ فإني أخاف أن تصف حجم عظامها!) رواه أحمد والطبراني قال الهيثمي: (وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات) مجمع الزوائد:5/137. وفي سنن أبي داود عن دِحْيَةَ بن خليفة الكلبي أنه قال: (أُتِيَ رسول اللّهe بقباطيَّ فأعطاني منها قبطية فقال: "اصدعها صدعين (يريد شقها نصفين)، فاقطع أحدهما قميصاً، وأعط الآخر امرأتك تختمر به" فلما أدبر قال: "وامر امرأتك أن تجعل تحته ثوباً لا يصفها"). رواه أبو داود.
وعن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه (أن النبيe لبس   جبة رومية  ضيقة الكمين) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. كما رواه بصيغ أخرى الإمام النسائي والبيهقي والطبراني. وروى ابن ماجه عن عبادة بن الصامت قال: (خرج علينا رسول اللهe ذات يوم وعليه جبة رومية من صوف، ضيقة الكمين، فصلى بنا فيها، ليس عليه شيء غيرها!) وقال ابن حزم: (والصلاة جائزة في ثوب الكافر والفاسق ما لم يوقن فيها شيئا يجب اجتنابه؛ لقول الله تعالى: "خلق لكم ما في الأرض جميعا". وقد صح أن رسول الله صلى في جبة رومية. ونحن على يقين من طهارة القطن، والكتان، والصوف، والشعر، والوبر، والجلود، والحرير للنساء، وإباحة كل ذلك. فمن ادعى نجاسة أو تحريما لم يصدق إلا بدليل من نص قرآن، أو سنة صحيحة! قال تعالى: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم"، وقال تعالى: "إن الظن لا يغني من الحق شيئا") المحلى: 4/75.
[61]   متفق عليه
[62]   تَخَفَّفَ: لبس الخُفَّ، وهو: جلد يلبس للقدمين كالجوارب.
[63] رواه أحمد والطبراني وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجال أحمد رجال الصحيح، خلا القاسم، وهو ثقة وفيه كلام لا يضر.
[64]  رواه البخاري
[65]  متفق عليه.
[66]  رواه مسلم
[67] رواه أحمد وابن حبان والطبراني في الثلاث. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 5/137: (رجال أحمد رجال الصحيح. وعبارة الطبراني قال: (سيكون في أمتي رجال يُركبون نساءَهم على سروج كأشباه الرحال)".
[68]  المَيَاثِر: جمع مَيْثَرَة، وهي الأريكة الفخمة. والمقصود هنا أريكة السيارة.
[69]  رواه الطبراني والحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه.
[70]  ‌رواه أ‌حمد وأبو داود والنسائي‌،‌ وصححه الألباني. انظر حديث رقم‌:‌ 1756 في صحيح الجامع‌.
[71]  بلاغ الرسالة القرآنية: 112- 113
 [72] رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني. انظر حديث رقم‌:‌ 1743 في صحيح الجامع‌.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق