بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أكرم المرسلين
سبحان الذي لبس العز وقال به، سبحان الذي تعطف بالمجد و تكرم به، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له،
سبحان ذي الفضل و النعم، سبحان ذي العزة و الكرم، سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه، سبحان دي الجلال و الإكرام.
و الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته، و دل كل شيء لعزته، و خضع كل شيء لملكه، و استسلم كل شيء لقدرته.
الحمد لله الذي سكن كل شيء لهيبته و أظهر كل شيء بحكمته، و تصاغر كل شيء لكبريائه.
أحمده و هو المحمود على كل ما قدره و رضاه، و أستعينه استعانة من يعلم أنه لا رب له غيره و إله له سواه، و أستهديه سبيل الذين أنعم عليهم ممن اختار لقبول الحق و ارتضاه. و أشكره و الشكر كفيل بالمزيد من العطايا و أستغفره من الذنوب التي تحول بين القلب و هداه. و أعوذ به من شر نفسي و سيئات أعمالي استعاذة عبد فار إلى ربه بذنوبه و خطاياه. و أعتصم به من الأهواء المردية و البدع المضلة، فما خاب من أصبح به معتصما و بحماه نزيلا.
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده المصطفى و نبيه المصطفى، رسوله الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، أرسله رحمة للعالمين و محجة للسالكين و حجة على العباد أجمعين.
فصلى الله عليه و على آله الطيبين الطاهرين و على أصحابه و أتباعه أجمعين.
![]() | |||
من سكان قطرة الماء.سبحان الخالق البارئ المصور |
تـــابـع ...
وقفة منهجية
مع مطلع هذه الصفحة من الضروري توضيح جانب مما نحن بصدده . يروى عن عبد الله بن عمر الصحابي الحبر الجليل أنه قال: كن عالما أومتعلما و لا تكن إمعة، و وضح أن الإمعة في استعمال العرب كان يطلق على من يسافر مع ركب في القافلة و يحمل متاعه على بعير غيره، و المعنى هو أن لا تكل أمرك لغيرك فتصير منقادا له كما صار المسافر تابعا و منقادا للبعير الذي عليه متاعه يتحرك بحركته و يقف بوقوفه. و أستأنس فيه معنى ُثانيا و هو أن لا تكون تابعا لمتاعك فالأصل أن المتاع تابع لصاحبه. و الإنسان لا يصير عالما متصفا بصفة العلم إلا بعد عقود من عمره قدمها للتعلم و بعد مجهود ومعاناة وسهر و إصرار و مكابدة و كبح جماح النفس ...كن متعلما لتصير عالما و العالمية(بكسر اللام) درجات إن لم تتممها فلازم التعلم فالتعلم مدى الحياة. عندك مرغوب فيه هو العلم و منهي عنه مذموم هو الإمعة وعندك أنت : أسئلة وضعية مشكلة : من؟ ماذا؟ لما؟ كيف؟ و بماذا؟و مع من؟ و ما هي النتيجة المرجوة؟ و كيف أقيسها؟..
وجب التوضيح أن المشكل ليس جديدا عليك تمام الجدة. فمنذ أن خرجت من الطفولة و بلغت سن التكليف و أنت كذلك المسافر مع القافلة. يبقى هل المتاع معك أم أنت مع المتاع؟أمر جوابه في ذمتك . و بما أنك صبرت معي إلى هذه النقطة فهذا مؤشر إيجابي بحيث إن لم تكن متعلما أي آخذا بأسباب التعلم فإنك إمعة في بداية التعلم. قد تكون لديك شهادات جامعية فتتساءل كيف أكون في بداية التعلم؟ الجواب مجملا هو أن الله جل جلاله أمر رسوله صلى الله عليه و سلم فقال له:" و قل رب زدني علما" و خلاله صلى الله عليه و سلم يتوجه الخطاب لنا كافة فالعالم من يشهد له بالعلم و هو في طريق تعلم مستمر و العالم حقا هو الله تعالى.
أما الإمعة فاعرض نفسك على ما سبق و ما سيأتي إن شاء الله.
اعلم أنك الآن تشتغل في هذه الوقفة المنهجية على ثلاثة مستويات فكرية: مستوى تلقي المعلومات و مستوى فهم الدلالات و مستوى التعقل و الضبط و وعي الذات.مثال للتوضيح المريض مع طبيبه عند كتابة الوصفة و تلقي المعلومات حول المرض و توصيات الطبيب. الطبيب يخبره عن نتيجة الفحوص ويشرح له حالته إذا كان من الصنف الذي يتعامل مع الأشخاص و ليس مع الحالات. و المريض يتلقى المعلومات و يفهم الحالة و يقدرها و يدرك ما له ما عليه من تبعات حسب نوع المرض و درجته..و عند المغادرة يكون لدى المريض الوصفة و حصيلة خبرة الطبيب وفهم للوضع وما يتطلب و تهيء للأخذ بأسباب الشفاء و الشافي هو الله.و سوف تتاح لنا الفرصة بمشيئة الله و توفيقه للحديث عن هذه المستويات المعرفية الثلاثة التي تندرج في معالجة بعد التعلم والجواب على كيف.
![]() |
حبات الرمل: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت |
صقل و تجلية
بعد إطلالنا على سوق القيم وما يعج بها من فتن لا يسلم منها إلا من رحم ربك نكون قد خرجنا بحصيلة أولية ثمينة تمهد لنا الطريق السالك :
تراتبية القيم من منظور إسلامي |
مشكلنا هو أننا، أنا وأنت و الآخر لنا فهوم و عقول (في اعتقادنا على الأقل) نعرف بها أن .. و أن.. الإعلام هو الإعلام و السياسة هي السياسة و أن الإشهار هو الإشهار، و أن كل دعاية بوق لأيديولوجيا وبالتالي لفائدة جهة صاحب البوق و لو كان الخطاب ذا صبغة عامة و إنسانية و مطلقة.. نعرف هذا ونعرف أكثر: نعرف أن "الكرة ملعوبة " , أن العالم يستهلك الأولمبياد و البطولات و..و..و اللعبة ملعوبة ..و أن التطور و التقدم ظاهر و باهر لكن بأي ثمن و إلى أين؟
إما إني أعلم أو إني جاهل..إما علم أو وهم و زخرف و بهرجة و تسويغ و تقليد و سفه وحمق. العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه بدليل و حجة: حقيقة الكون، حقيقة الإنسان، حقيقة الأمور و كنهها.. حينما يغيب الإنسان عن هذه الحقيقة و يغفل عنها، و حين يظن نفسه أو الأمور على خلاف ما هو عليه و ما هي وقع في الجهل كبير. الجهل في أبسط تعاريفه هو ما خالف الواقع. لك واقع راهن و لك حقيقة صارخة شئت أم أبيت. أن تتوهم خلاف ما أنت عليه جهل كبير.. إدا أدركت الأمور على ما هي عليه بدليل و حجة فأنت عالم. للجاهل أفكار ومقولات لا علاقة لها بالواقع و لا دليل له عليها و سلوكه يكون وفق جهله.
الرصانة والثبات تدعوك في أمور معاشك كلما استعصى عليك الاختيار و التصرف أن تبحث عن نصيحة و توجيه دي الخبرة و قد تدفع له ثمن الخبرة: وفي كل مجتمع تنتظم الخبرة و تتشعب بتشعب مجالات الحياة و التخصصات: مهن(تعليم طب هندسة قضاء تجارة محاسبة...) و حسب الحرف و الصناعات و الخدمات. و من الخبراء من ينوب عنك في حل المشكل كخبرة تموين الطعام في الأفراح أو المقاولة في البناء. و منها خبرة التشخيص و اقتراح الاختيارات و انت تأخذ القرار و منها خبرة إنجاز الدراسة و تقديم التقرير مثل حالات الإفتاء.. و للخبير وضع اجتماعي و مواصفات قد تكون مقننة بدرجات متفاوتة من الدقة و الضبط. و معايير صفة الخبير التمرس و الدراية و أدبيات المهنة. و أدبيات المهنة لا تعني التخلق بأخلاق النزاهة والإخلاص في الخبرة، كما أن التمرس لا يعني دائما الفعالية و الإصابة. فإذا طرقت باب خبرة غير مناسبة تحملت العواقب.
موضوعنا ليس من نوع القضايا التي لمحت إليها من أمور الحياة اليومية العادية و المادية: إيجاد المسلك في أمور الدنيا و الآخرة و البحث عن السعادة و الأمن و الطمأنينة و تحقيق هدف الحياة لا يمكن لي أن أتصرف فيه بشطارتي و فهمي و لا يمكن أن أستند فيه إلى غيري ممن هو بشر مثلي. اشتريت آلة جديدة بتكلفة عالية قد يكلفك وضعها في مكانها المخصص لها في البيت استدعاء ذوي الخبرة ، ثم تبدأ في الاستعمال فتجد نقسك مضطرا إلى البحث عن الكتيب المصاحب لها و الذي وضعه الصانع الأصلي يوضح فيه مواصفات الآلة و كيفية اشتغالها و وظائفها، و ما يجب الالتزام به و ما يجب تجنبه لتستفيد من ضمانات المصنع من صيانة و إصلاح و تبديل عند الاقتضاء و أحيان لثبات هذا الضمان يشترط المصنع أن لا يتدخل في صيانتها أي خبير غير خبيره المعتمد.
و لله المثل الأعلى : أمر القيم و ما يتعلق بها من رؤية لهدف الحياة و مصير الإنسان لا يمكن أن يتدخل فيه إلا خالق هذا الإنسان جل جلاله الذي خلق فسوى و قدر فهدى رب المخلوقات و متعهدها الحي القيوم العليم الخبير الحكيم. خلقك وسواك و هداك بما أودع في فطرتك و هداك بما من عليك من نعمة الإسلام و هداك بما أنزل على رسله من وحي وهداك أودع في كتابه الحكيم الذي يسره للذكر لكل من أراد أن يذّكر . فلن نجد أجوبة فيها خلاصنا و حسن عاقبتنا إلا في كتابه العزيز و في هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الدليل الموكل الذي اصطفاه..ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. شرط الصانع هو التوحيد و الاستقامة على هدي كتابه و سنته رسوله.. إخلاص النية و التوجه و الاستقامة والتقوى و الخضوع و الإنابة و التوكل .
تدبر الأمر إنك أمام أخطر موضوع يعنيك لأنه يحدد دنياك و آخرتك. و اعلم أن القرآن الكريم لم ينزل للأموات بل لإحياء القلوب و يجعل فيها نورا تفرق به بين الحق والباطل وتمشي به بين الناس مبصرة الطريق عبر ظلمات الفتن، على صراط الله المستقيم الذي لا يلجه إلا ذو حظ كبير. إما أن تأخذ العلم من مصدره الرباني.. و إما أن تتيه في ضلالات الضالين ..و جهالات المغضوب عليهم.. و سفاهات السفهاء و حماقاتهم.هلا اقتحمت العقبة و لا تكن من الغافلين الذين تعودوا العيش على الأماني.. نسأل الله تعالى الهداية و السداد ، آمين
فاعلم إذن أننا أمام مفاهيم ذات مرجعية لا نفهمها في استعمالها العامي حيث المصلحة و المنفعة تترادفان. في الاستعمال العامي ذي النزوع المادي ميزان النفع و الضرر هو الذات و ما تصيبه من حظوظ مادية صرفة من مال أو جاه أو متعة . فإن الفكر الذي يقف عند هذا المستوى و يسخر طاقته العقلية لاستحسان ما يجلب هذه الحظوظ المادية، و استقباح ما يسبب الخسارة المادية أي مما يراه ضررا. فهو يرى سعادته فيما يحقق له إشباع حاجاته المادية و الفكرية و المرجع هو الذات. بعبارة أخرى هو الذي يرسم لنفسه هدفا يرى فيه سعادته ويكون محل طموحه...أما مفهومي الصلاح و الفساد فمرجعيتهما القرآن الكريم: ضالة المؤمن حسن الخاتمة و السعادة الأخروية و لا يتحقق ذالك إلا إذا عالج حظوظ ذاته الدنيوية وفق مرضاة ربه و ليس وفق استحسانه و أهوائه إن الهدي القرآني و الهدي النبوي في الحقيقة يحسمان في كل هذه اللخبطة التي تفتننا في حياتنا اليومية، و يسمحان بتجلية حقيقة أمر الواقع التي من خصائصها أنها محجوبة وراء حجب الجهل و الوهم و الأهواء ، و وراء الزيف و البهرجة والتزيين ...قال جل جلاله في سورة الكهف:
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴿28﴾ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴿29﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴿30﴾ أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴿31﴾
قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴿98﴾ ۞ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴿99﴾ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا ﴿100﴾ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴿101﴾ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا ﴿102﴾ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴿103﴾ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴿104﴾ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴿105﴾ ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴿106﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴿107﴾ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴿108﴾ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴿109﴾ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿110﴾
يعطيك الله العليم الخبير جل جلاله مفتاحا لفرز و تصفية كل هذه الكثرة و التنوع و التباين الذي تلقاه في هذه السوق الفتانة و إرجاعها إلى أصلين أساسيين
![]() |
هل تسبح الله فإن كل ذرة من جسمك تسبحه...؟ |
![]() | ||
تسبيحات: حبات الرمل لا تشبه الواحدة أختها |
أنت أمام مسلكين لا ثالث لهما لا تنفع في الحسم بينهما الإمعة، لا بد للذهن أن يشتغل بكل مؤهلاته التي فطر عليها : العاقل يسير بعلم يعتمد على يقينيات و دلائل و حجج. العلم عمل فكري و تأمل و نظر. هل أتأمل ؟ هل أنظر؟ ما معنى التأمل و النظر؟ هل أطالع؟ هل أتعلم العلم أم أهدر طاقات في السفاسف و الخرافات و التفاهات؟ بماذا أشغل وقتي و ماذا أشاهد؟ هل أتطلع إلى التحلي الفكري و الروحي تزكية نفسي و علو همتي؟ أم أرضى و أخنع و التحق بقطيع الإمعة والتهور و السفاهة أصيح عندما يصيحون و أنعق بما ينعقون؟ ماذا عن المبدأ و عن الإرادة؟ هل الشهوة تتحكم في العقل أم العكس؟..
ما علاقتك مع نفسك ؟ ما علاقتك برك؟ هل تعرفه كما يجب لجلاله و عظمته؟ هل تدرك حقا معاني و مستلزمات قوله تعالى:" قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن ، تعز من تشاء و تذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير"؟ و أي أثر يترك فيك قوله عز و جل:"يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله و الله هو الغني الحميد"؟
هل تدرك أننا جميعا عبيد الله و إماؤه و أننا مفتقرون جميعا إليه لا نملك شيأ حتى تنفسنا و دقات قلوبنا. كل شيء يملك في هذا الوجود ملكه... إذا ظننت في نفسك أنك ..و أنك.. فأنت لا تعرف نفسك و لا تعرف الله جل جلاله..ربك يأمرك بالصلاة و تتأفف؟ يأمرك بالحجاب و تتبرجين؟ يأمرك بالأكل من الحلال و تغش في عملك و تطالب بالحقوق و أنت دون الواجب؟ تأكل و تشرب من الحرام بمختلف أنواعه و مصادره؟ يأمرك بالعفة وتأتي المنكرات؟ من أنت؟ كائن أخرق متهور مغرور .. إذا رأى الدركي بعيدا خفف السرعة و التزم القانون و إذا قال له رب العزة افعل أو لا تفعل ركب هواه وطغى...اثبت لنفسك عكس هذا..
يقولون أن الطفولة مرحلة لعب وبراءة و أن المراهقة مرحلة أزمة و بحث عن الذات و الشباب مرحلة تجربة.. و أنه مع الشيب ستأتي التوبة و العبادة و الحج إن شاء الله... هذا قانون مفصل وفق الهوى كأن الناس لا يموتون إلا بعد ظهور الشيب. يكلف الله تعالى عباده في سن البلوغ و نقول مسكينة ما زالت صغيرة اتركها تعيش حياتها ما زال وقت الحجاب..دعه مازال طائشا عندما يصير له أولاد سيتعقل و يرشد و ... في الحقيقة إننا لا نعرف أنفسنا نحن و لا نقدر الله تعالى حق قدره لأن عقيدتنا مريضة بالأوهام و الخرافات. لابد أن نتعلم ما ينفعنا و ما يحدد مصيرنا في الحياة و بعد الممات.
•ا العاقل خصم نفسه والجاهل خصم أقدار الله
أنواع السعادة ثلاثة
يعطينا ابن القيم رحمه الله تحليل الخبير المستنير بنور القرآن و هدي رسول الله صلى الله عليه يدور معهما حيث دارا، قلت يعطينا جوابا واضحا و مجليا لإشكالية السعادة
انواع السعادة التي تؤثرها النفوس ثلاثة: سعادة خارجية
عن ذات الانسان بل هي مستعارة له من غيره يزول باسترداد العارية وهي سعادة
المال والحياة فبينما المرء بها سعيدا ملحوظا بالعناية مرموقا بالابصار إذ
اصبح في اليوم الواحد اذل من وتد بقاع يشج رأسه بالفهرواجي فالسعادة والفرح
بهذه كفرح الاقرع بجمة ابن عمه والجمال بها كجمال المرء بثيابه وبزينته فاذا
جاوز بصرك كسوته فليس وراء عبادان قرية ويحكى عن بعض العلماء انه ركب مع تجار في
مركب فانكسرت بهم السفينة فاصبحوا بعد عز الغنى في ذل الفقر ووصل العالم الى البلد
فاكرم وقصد بانواع التحف والكرامات فلما ارادوا الرجوع الى بلادهم قالوا له هل لك
الى قومك كتاب او حاجة فقال نعم تقولون لهم اذا اتخدتم مالا لا يغرق اذا انكسرت
السفينة فاتخذوا العلم تجارة واجتمع رجل ذو هيئة حسنة ولباس جميل و رواء برجل عالم
فجس المخاضة فلم ير شيئا فقالوا كيف رايته فقال رأيت دارا حسنة مزخرفة ولكن ليس
بها ساكن
السعادة الثانية سعادة في جسمه وبدنه
كصحته واعتدال مزاجه وتناسب اعضائه وحسن تركيبه وصفاء لونه وقوة اعضائه فهذه الصق
به من الاولى ولكن هي في الحقيقة خارجة عن ذاته وحقيقته فان الإنسان انسان
بروحه وقلبه لا بجسمه وبدنه كما قيل :
يا خادم الجسم كم يشقى بخدمته ... فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
فنسبة هذه الى روحه وقلبه كنسبة ثيابه ولباسه الى
بدنه فان البدن ايضا عارية للروح وآلة لها ومركب من مراكبها فسعادتها بصحته وجماله
وحسنه، سعادة خارجة عن ذاتها وحقيقتها السعادة الثالثة هي السعادة الحقيقية وهي سعادة
نفسانية روحية قلبية وهي سعادة العلم النافع و ثمرته. فانها هي
الباقية على تقلب الاحوال والمصاحبة للعبد في جميع اسفاره وفي دوره الثلاثة اعني
دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار وبها يترقى معارج الفضل ودرجات الكمال.
اما الاولى فانها تصحبه في البقعة التي فيها
ماله وجاهه والثانية تعرضه للزوال والتبدل بنكس الخلق والرد الى الضعف فلا سعادة
في الحقيقة الا في هذه الثالثة التي كلما طال الامد ازدادات قوة وعلوا وإذا عدم
المال والجاه فهي مال العبد وجاهه وتظهر قوتها وأثرها بعد مفارقة الروح البدن اذا
انقطعت السعادتان الاوليتان وهذه السعادة لا يعرف قدرها ويبعث على طلبها الا
العلم بها فعادت السعادة كلها الى العلم وما تقضيه والله يوفق من يشاء لا مانع
لما اعطى ولا معطى لما منع
وانما
رغب اكثر الخلق عن اكتساب هذه السعادة وتحصيلها وعورة طريقها ومرارة مباديها وتعب
تحصيلها وانها لاتنال الا على جد من التعب فانها لاتحصل الا بالجد المحض بخلاف
الاوليين فانهما حظ قد يحوزه غير طالبه وبخت قد يحوزه غير جالبه من ميراث او هبة
او غير ذلك واما سعادة العلم فلا يورثك اياها الا بذل الوسع وصدق الطلب وصحة النية
وقد احسن القائل في ذلك :
فقل
لمرجي معالي الأمور ... بغير اجتهاد رجوت المحالا
وقال
الآخر
لولا
المشقة ساد للناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال
ومن طمحت همته الى الامور العالية فواجب عليه ان يشد على محبة الطرق
الدينية وهي السعادة وان كانت في ابتدائها لا تنفك عن ضرب من المشقة والكره
والتأذي وانها متى اكرهت النفس عليها وسيقت طائعة وكارهة اليها وصبرت على لاوائها
وشدتها افضت منها الى رياض مونقة ومقاعد صدق ومقام كريم تجد كل لذة دونها لعب
الصبي بالعصفور بالنسبة الى لذات الملوك فحينئذ حال صاحبها كما قيل :
وكنت أرى أن قد تناهى بي الهوى ... إلى غاية ما بعدها لي مذهب
فلما
تلاقينا وعاينت حسنها ... تيقنت أني إنما كنت العب ...
فالمكارم
منوطة بالمكارة والسعادة لا يعبر اليها الا على جسر المشقة فلا تقطع مسافتها الا
في سفينة الجد والاجتهاد قال مسلم في صحيحه قال يحيى بن ابي كثير لاينال العلم
براحة الجسم وقد قيل من طلب الراحة ترك الراحة
فيا
وصل الحبيب أما إليه ... بغير مشقة أبدا طريق
ولولا
جهل الاكثرين بحلاوة هذه اللذة وعظم قدرها لتجالدوا عليها بالسيوف ولكن حفت بحجاب
من المكاره وحجبوا عنها بحجاب من الجهل ليختص الله لها من يشاء من عباده والله ذو
الفضل العظيم
و الله تعالى خلق
الموجودات وجعل لكل شيء منها كمالا يختص به هو غاية شرفه فإذا عدم كماله انتقل الى
الرتبة التي دونه واستعمل فيها فكان استعماله فيها كمال امثاله فاذا عدم تلك ايضا
نقل الى ما دونها ولا تعطل وهكذا ابدا حتى اذا عدم كل فضيلة صار كالشوك وكالحطب
الذي لا يصلح الا للوقود فالفرس اذا كانت فيه فروسيته التامة اعد لمراكب الملوك
واكرم أكرام مثله فإذا نزل عنها قليلا اعد لمن دون الملك فإن ازداد تقصيره فيها
اعد لاحاد الاجناد فان تقاصر عنها جملة استعمل استعمال الحمار اما حول المدار واما
لنقل الزبل ونحوه فان عدم ذلك استعمل استعمال الاغنام للذبح والاعدام كما يقال في
المثل ان فرسين التقيا احدهما تحت ملك والاخر تحت الروايا فقال فرس الملك اما انت
صاحبي وكنت انا وانت في مكان واحد فما الذي نزل بك الى هذه المرتبة فقال ما ذاك
الا انك هملجت قليلا وانعكست انا وهكذا السيف اذا نبا عما هيء له ولم يصلح له ضرب
منه فاس او منشار ونحوه وهكذا الدور العظام الحسان اذا خرجت وتهدمت اتخذت حظائر
للغنم او الابل وغيرها وهكذا الادمي اذا كان صالحا لاصطفاء الله له برسالته
ونبوته اتخذه رسولا ونبيا كما قال تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته فاذا كان جوهره
قاصرا عن هذه الدرجة صالحا لخلافة النبوة وميراثها رشحه لذلك وبلغه اياه فإذا كان
قاصرا عن ذلك قابلا لدرجة الولاية رشح لها وان كان ممن يصلح للعمل والعبادة دون
المعرفة والعلم جعل من اهله حتى ينتهي الى درجة عموم المؤمنين فان نقص عن هذه الدرجة
ولم تكن نفسه قابلة لشيء من الخير اصلا استعمل حطبا ووقودا للنار وفي اثر
اسرائيلي ان موسى سأل ربه عن شان من يعذبهم من خلقه فقال يا موسى ازرع زرعا فزرعه
فاوحى اليه ان احصده ثم اوحى اليه ان أنسفه وذره ففعل وخلص الحب وحده والعيدان
والعصف وحده فاوحى اليه اني لاجعل في النار من العباد من لا خير فيه بمنزلة
العيدان والشوك التي لا يصلح الا للنار وهكذا الانسان يترقى في درجات الكمال درجة
بعد درجة حتى يبلغ نهاية ما يناله امثاله منها فكم بين حاله في اول كونه نطفة وبين
حاله والرب يسلم عليه في داره وينظر الى وجهه بكرة وعشيا والنبي صلى الله عليه و
سلم في اول امره لما جاءه الملك فقال له اقرأ فقال ما أنا بقارئ وفي آخره امره
بقول الله له اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي وبقوله له خاصة وانزل عليك
الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما
فكيف يحسن بذي همة قد أزاح الله عنه علله وعرفه
السعادة والشقاوة أن يرضى بان يكون حيوانا وقد أمكنه أن يصير أنسانا وبأن يكون
إنسانا وقد أمكنه أن يكون ملكا وبأن يكون ملكا وقد أمكنه أن يكون ملكا في مقعد صدق
عند مليك مقتدر فتقوم الملائكة في خدمته وتدخل عليهم من كل باب سلام عليكم بما
صبرتم فنعم عقبي الدار وهذا الكمال إنما ينال بالعلم ورعايته والقيام بموجبه فعاد
الأمر إلى العلم وثمرته والله تعالى الموفق
واعظم
النقص واشد الحسرة نقص القادر على التمام وحسرته على تقويته كما قال بعض السلف إذا
كثرت طرق الخير كان الخارج منها اشد حسرة وصدق القائل :
ولم أر في عيوب الناس عيبا ... كنقص القادرين على التمام
فثبت انه لا شيء اقبح بالإنسان من أن يكون غافلا عن الفضائل الدينية
والعلوم النافعة والأعمال الصالحة فمن كان كذلك فهو من الهمج الرعاع الذين يكدرون
الماء ويغلون الأسعار إن عاش عاش غير حميد وان مات مات غير فقيد فقدهم راحة للبلاد
والعباد ولا تبكي عليهم السماء ولا تستوحش لهم الغبراء.( من كتاب مفتاح دار السعادة...للمزيد زر موقع ابن القيم
جعل الله تعالى سننا يسير عليها نظام الكائنات:"سبح اسم ربك الذي خلق فسوى، و قدر فهدى". ما من مخلوق إلا و سواه أي صوره و بناه و أمده بما يناسب الحكمة من إيجاده. و جعل كل شيء بقدر مضبوط و هدى مخلوقاته إلى ما وجدت لأجله.و الفرق بين الإنسان و الحيوان فرق جوهري رغم ما قد يوهمه الظاهر .تحكم الحيوان مجموعة من الدوافع و الغرائز:دافع الجوع يدفعه نحو الطعام و دافع الجنس يدفعه نحو التناسل...و بما أنه غير مكلف فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون هذه الغرائز و الدوافع منضبطة لمصلحته. فقلما يمرض الحيوان لأنه يأكل وفق حاجته، غريزته تحدد له له كيف و ماذا و متى يأكل...تسميها غرائز و دوافع و.. و الله يسميها هداية.
أما الإنسان فهو نوع آخر رغم أنف المبطلين: إنه مخلوق مكرم..عبارة عن مجموعة من الدوافع يسمونها حاجات: الطعام و الجنس والتكاثر، للحركة و تأكيد الذات ..قد تسمى دوافع..غرائز أو شهوات..غير أنها غير منضبطة فطريا، لأن الله تعالى أكرم الإنسان فجعل له فكرا و إرادة حرة و عقلا بالمعنى القرآني (الذي يختلف عن الذكاء فهذا الأخير موجود لدى كثير من الكائنات صغيرة و كبيرة). العقل بالمعنى القرآني هو الذي يربط المعرفة بالسلوك و العلم بالعمل.
و لما كان الإنسان مزودا بفكر يهديه للحق و بحرية اختيار، جعل الله سبحانه لحكمة بالغة هذه الدوافع و الغرائز مفتوحة و غير محدودة: فهو يأكل متى شاء، يجامع في كل أشهر السنة...يصطاد للعب و المتعة..و الانضباط ينبع من قناعته و اختياره.
يمضي الحيوان حياته في طمأنينة و دعة و سلامة لأن الانضباط الغريزي يحقق له سلامته ومصالحة.أما الإنسان فلا حدود لشهواته و هو مكلف بضبطها و توجيهها و تصريفها، و هنا تكمن خطورة العقيدة.إن العقيدة (الاقتناع و الفهم) هي التي تحرك هذه الطاقات و الشهوات و السلوك: مفاهيم صحيحة * إرادة حازمة تعطي سلوكا سليما، مفاهيم مغلوطة تعطي سلوكا منحرفا حيث تخضع الإرادة للشهوات و الأوهام. العقل من جهة و السفه من جهة.
اشتغال مسدد بالنور الإلهي |
اشتغال محجوب عن النور الإلهي: السفه و الفسوق و العصيان و التيه |
أنت إذن مجموعة من المفاهيم، إن كانت صحيحة عشت عيشة سعيدة و انتقلت إلى حياة أبدية سعيدة. ما من واحد منا يتحرك حركة صالحة أو طالحة، خيرة أو شريرة، لمصلحته أو لخلافها إلا و ينطلق من بنية مفاهيم، و إذا وفقنا الله تعالى إلى تصحيح مفاهيمنا دخلنا الجنة إن شاء الله. إنما يحركك ما نسميه عقيدة ترسخ و تتعمق لتصير رؤية. و إذا صحت العقيدة سعد الإنسان في الدنيا و الآخرة.
الفرق بين المؤمن و غير المؤمن هو أن الأول يمتلك عقيدة صحيحة و الثاني له نظرية من المفاهيم المغلوطة. و الذي عنده اضطراب في عقيدته يظهر في ممارساته، فالذي يغش مثلا ينطلق من مفهوم شائع هو أن عنده أولاد.. و الناس كلهم يغشون، و إذا عمت هانت.. أصبح عدم الغش صعبا في هذا الزمان..و يقولون إنه حلال على الشاطر الذكي.. فهو ينطلق من مفاهيم (مبررات) خاطئة من ظنون و خرافات.
أما المؤمن فيرى أن الله تعالى يطلع على كل شيء،فإذا استقام على أمره في معاملة الخلق بارك له في صحته و أهله و ماله و دنياه و شيخوخته و في موته و في الجنة إن شاء الله. قل لي ماذا تعتقد أقول لك من أنت. الذي ينام و لا يصلي ينام لأن لديه مفهوم خاطئ و الذي استيقظ للصلاة انطلق من مفهوم صحيح و الله ولي التوفيق.
•ا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق